حب الموت ضد حب الحياة
حب الموت ضد حب الحياة
هنالك نزعتان متأصلتان بشكل واضح داخل الإنسان يتصرَّف بحسب السائد بينهما، وهما نزعة حب الموت “النيكروفيليا” وتقابلها نزعة حب الحياة “البيوفيليا”، ويتوقَّف الكثير من القرارات عند مدى إدراك الإنسان ووعيه لحدود النزعتين.
تشير النيكروفيليا إلى انحراف جنسي يتمثَّل في الانجذاب إلى الموتى جسديًّا، ولكنه أيضًا يعبِّر كسلوك عن حب التدمير والموت وكره كل مظاهر الحياة واستمرارها، كما يميل النيكروفيلي بشدة إلى تقديس القوة والتحكم والامتلاك، ويوجه كراهية عمياء إلى المستقبل، فهو يمثل له المجهول وغير المتوقع والخارج عن السيطرة والتحكم، ويعشق الماضي ويستمد من أحاسيسه، ولهذا ينقسم التصنيف عند النيكروفيلي إلى قاتل ومقتول، أو من يمتلك تلك القدرة ومن حرم منها.
بينما البيوفيليا على الجانب المقابل تميل إلى الحياة ومظاهر تنميتها، وتدفع الأفراد إلى التعاون والاندماج وتكوين هويات مشتركة تعزِّز من فرص تطورهم وزيادة نشاطهم الإنساني، كما أنها دافع أساسي لغريزة البقاء والدفاع عن الحياة التي لا يرغب البيوفيلي في خسارتها، وتقوم قطبية التصنيف عنده إلى ذكر وأنثى، يمثلان جانبين حتميين للتناسل لاستمرار دوران الحياة، وكلٌّ من البيوفيلي والنيكروفيلي يستمد منظومته القيمية والأخلاقية على أساس نزعته الغالبة.
كيف تجتمع الغريزتان في شخص واحد؟ يرى فرويد أنهما متأصلتان بشكل بيولوجي متساوٍ، وهو ما يرفضه فروم بشدة ويرى أنهما ينقسمان إلى غريزة أساسية وهي حب الحياة، وأخرى ثانوية وهي حب الموت، وتتغلَّب إحداهما على الأخرى وتسود السلوك حسب ظروف معينة وعوامل إنماء إذا توافرت لأحدهما ستكون له الغلبة.
تنمو البيوفيليا في ظل الأمان المادي والمعنوي، ونظام يمثل العدالة الحقيقية محافظًا على التوازن، في مناخ يتنفَّس الحرية الحقة في مختلف مجالاته، بينما تنمو النيكروفيليا في ظل المادية الطاغية والبيروقراطية والعقلنة الزائدة، ما يؤدِّي إلى نزع الصفات الإنسانية من الفرد وإسباغ الصفة الميكانيكية عليه وضمه إلى عالم من الأشياء وعدم التفرقة بينها في ظل تجريد وتجسيد كل المعاني، وهي الصفات السائدة في المجتمعات الصناعية الحديثة.
الفكرة من كتاب جوهر الإنسان
ما جوهر الإنسان؟ لطالما أرَّق هذا السؤال كل من له إنتاج معرفي، وانشغلت به الأديان والمذاهب الفلسفية والفكرية على اختلافاتها، محاولة تقديم إجابات تفسِّر عددًا كبيرًا من أفعاله وسلوكياته: هل هو جزء من الطبيعة الحتمية، أم مخلوق متجاوز لها يصارع بين الخير والشر؟ وماذا عن رغبته الشديدة في ممارسة العنف والتدمير، هل هي متأصلة جذريًّا أم أنها رد فعل على وضع ما؟ وهل هناك عوامل تغذِّيه، وإن وجدت فكيف نتحكَّم فيها لنغيِّر ذلك الوضع؟
بمثل هذه التساؤلات وغيرها ومحاولة “إريك فروم” الإجابة عنها، نرى تحليله لبعض الظواهر الإنسانية والاجتماعية.
مؤلف كتاب جوهر الإنسان
ترتكز أفكار فروم على انتقاد كلا الجانبين الرأسمالي والشيوعي بسبب نزعهما الصفة الإنسانية من الإنسان في طريقة رؤيتهما إياه، وقد طرح رؤية بديلة أثناء مشاركته في الحزب الاشتراكي الأمريكي، كما نقد العديد من نظريات فرويد في التحليل النفسي رغم إعجابه الكبير به.
ترتكز أفكار فروم على انتقاد كلا الجانبين الرأسمالي والشيوعي بسبب نزعهما الصفة الإنسانية من الإنسان في طريقة رؤيتهما إياه، وقد طرح رؤية بديلة أثناء مشاركته في الحزب الاشتراكي الأمريكي، كما نقد العديد من نظريات فرويد في التحليل النفسي رغم إعجابه الكبير به.
وتميَّز بأعماله التي تناقش الطبيعة الإنسانية في المجتمعات الصناعية الحديثة، ومنها: “المجتمع العاقل”، و”الهروب من الحرية”.
معلومات عن المترجم:
سلام خير بك: مترجم، وله العديد من الكتب المترجمة، من بينها: “حكمة التاو.. أصغ لجسدك”، لمؤلفيه: بيسونغ غاو، وأندرو بويل، و”عقل بلا حدود، تأليف: كريشنا مورتي، و”روح زن”، لآلان واتس، وغيرها.