جاذبية الحركة الجماهيرية
جاذبية الحركة الجماهيرية
تتشابه الحركات الجماهيرية في بعض السمات الرئيسة؛ مثل الإيمان الأعمى والولاء المطلق والرغبة في السيطرة وامتلاك القوة مع استعداد حقيقي للموت، ولكن لماذا ينجذب الأفراد إلى الحركات الجماهيرية بمختلف أنواعها كالدينية والقومية والثورية، ويرفعون مبادئها ورموزها وشخصياتها إلى حد التقديس، ويكونون على أتم الاستعداد للتضحية بأنفسهم وأصدقائهم وعائلاتهم وأقاربهم، بل وتكبُّد المعاناة لمدة سنين وممارسة العنف والتدمير في سبيلها؟
السبب الأول هو الرغبة المتعطِّشة للتغيير، عندما يواجه الفرد العالم وحيدًا متسلحًا بإمكانياته وقدراته المحدودة في جو من المنافسة المحمومة ويفشل في الوصول إلى أهدافه وتحقيق تطلُّعاته، ينزع للبحث عن أسباب خارج نفسه، فيلقي باللوم على العالم والآخرين وسوء الأوضاع والظروف، ويسيطر عليه شعور خانق بالإحباط واليأس، إذا صاحبه إحساس كبير بأن لديه قوة حقيقية، بجانب قدرته على الإيمان المطلق بالأمل، شكَّل ذلك الدافع لرغبته بالتغيير.
يكون هدف الحركات الجماهيرية هو خلق واقع جديد كليًّا وليس تغيير بعض أجزائه أو تحسينها، فيت
جهون إلى تدمير الحاضر وكل ما يرتبط به ويمثله من مبادئ وأفكار ورموزٍ ومعانٍ، رغبة في تحقيق آمال كبيرة فيه، وتجاهل تام للعواقب التي ستصاحب تلك الفوضى.
السبب الثاني هو الرغبة في إيجاد بدائل، تقدِّم الحركات الجماهيرية سواء كانت جديدة أو تقليدية، علمانية أو دينية، ولأتباعها فرصة الخلاص من ذواتهم المحبطة والمثقلة بالفشل والمشكلات وعدم الإيمان والخوف، وتمثِّل احتمالية وجود حياة جديدة في واقع جديد خيارًا جذَّابًا، ويمنحهم الإيمان بمبادئ الحركة المعنى الذي فقدوه لدرجة استعدادتهم للتضحية بأنفسهم في سبيله.
لا تكتفي الحركات الجماهيرية بالتأثير في أفرادها فقط، ولكنها تحمل إيمانًا مقدَّسًا يحمِّلهم مسؤولية نحو الآخرين، بأن من واجبها أن تحرِّرهم من معاناتهم وترشدهم إلى التقدُّم أو السعادة أو الحرية، فتسعى للسيطرة على الواقع بعد خلقه.
الفكرة من كتاب المؤمن الصادق (أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية)
الحركات الجماهيرية هي منعشات لمجتمع مريض هزيل، وضرورة لخلق التغيير ومتابعة صيرورة التاريخ، ولكن يوجد على الجانب الآخر دائمًا الإرهاب أو التطرُّف، وهي ثنائية متوالدة كلٌّ من طرفيها يؤدي إلى الآخر، والنتيجة دائمًا ما تكون كارثية، فبين العنف والتدمير والسيطرة والسادية يتوه الأفراد ويفقدون ذواتهم، يصبحون عُزَّلًا أمام العالم الهائل ويشعرون بالعجز الشديد، ما يزيد من رغبتهم في الذوبان في كيان مقدس أو الانضمام إلى حركة جماهيرية، فما العوامل التي تجذبهم إلى الحركات الجماهيرية؟ ما الخصائص الأساسية التي تشترك فيها جميع الحركات الجماهيرية على اختلافها؟ من هم أفرادها، وما المبادئ التي يعتنقونها؟ وما المراحل المختلفة التي تمر بها وسمات كل مرحلة؟
مؤلف كتاب المؤمن الصادق (أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية)
إريك هوفر: ولد الفيلسوف الأمريكي عام 1902م في نيويورك، عمل مزارعًا ثم منقِّبًا عن الذهب، وانتهى به الحال موظفًا بجامعة كاليفورنيا، له مؤلفات متعدِّدة في علم النفس الاجتماعي لدرجة أنه لُقِّب بفيلسوف الأخلاقيات الاجتماعية، ومن أشهرها كتابا: “المؤمن الصادق (أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية)”، و”محنة التغيير”.
حصل على وسام الحرية الأمريكي عام 1983م وتُوفِّي بنفس العام، وأُسِّسَت جائزة باسمه في عام 2001م تكريمًا له.
معلومات عن المترجم:
غازي عبدالرحمن القصيبي: وُلِد الدكتور غازي القصيبي عام 1940 في الأحساء بالمملكة العربية السعودية، وهو أديب وسياسي ودبلوماسي سعودي شهير، عمل في عدة وظائف حكومية ودبلوماسية، وزيرًا للصحة والعمل، وسفيرًا للمملكة العربية السعودية في كلٍّ من بريطانيا والبحرين، حصل على شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة لندن، كما أن لديه عدة مساهمات أدبية عديدة في مجالي الرواية والشعر، أشهرها رواية “شقة الحرية”، وديوان شعر “للشهداء”.
كما أن له إسهامات صحافية متنوِّعة أشهرها سلسلة مقالات “عين على العاصفة”، والتي كُتِبَت في جريدة الشرق الأوسط إبان حرب الخليج الثانية.