العدوان الثلاثي وأزمة الكونغو
العدوان الثلاثي وأزمة الكونغو
في فبراير عام 1956 انعقد المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي السوفيتي، وكان “نكيتا خروشوف” قد وطّد سلطاته وأزاح كل من كان يعمل مع ستالين، وبالنسبة إلى العالم الثالث، فإن الاتحاد السوفييتي أعلن وقوفه في صف هذه الشعوب، وأنه سيقدم المساعدات لها، وأنه مع حركات تحرير الشعوب، وأنه سوف يقف في وجه الاستعمار والإمبريالية ويقضي عليها، وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر كان موقف السوفييت واضحًا، وهو تأييد مصر، إذ وُجه في الخامس من نوفمبر عام 1956 في أثناء العدوان على مصر الإنذار السوفييتي الشهير بوقف العدوان فورًا، وقد قال لي خروشوف أن “جي موليه” رئيس وزراء فرنسا جرى على التليفون بملابسه الداخلية ليتأكد من صحة الخبر! كما هددت الولايات المتحدة الأمريكية بوقف البترول عنهم إذا لم يوقفوا الحرب، وانسحبا من مصر في ديسمبر 1956، أما إسرائيل فقد رفضت الانصياع للإنذار الأمريكي، فهدد الرئيس الأمريكي أيزنهاور بوقف جميع المساعدات الأمريكية لإسرائيل، مما دفع بن جوريون لإعلان انسحابه من مصر في مارس 1957، وقد خرجت ثورة يوليو بعد العدوان الثلاثي وهي قوية وتتمتع بشعبية ضخمة جدًّا، ووقف معها الشارع العربي والعالم الثالث كله، وأصبحت تحظى بدعم شعبي هائل، إلى جانب دعم المعسكر الاشتراكي كله.
وفي عام 1960 اشتعلت أزمة الكونغو على إثر محاولة حصار زعيم حركة الاستقلال الكنغولية باتريس لومومبا، وقد تورطت أطراف دولية عديدة في هذه الأزمة، ولم تكن مصر ببعيدة عنها، إذ ساندت وساعدت حركات التحرر الوطني في إفريقيا كلها، ومنها الكونجو، وربطتها علاقات وطيدة بقياداتها، وبدأ الكثير منهم نضالهم من القاهرة، التي هيأت لهم إقامة مكاتب فيها، وفي ظل هذه الاضطرابات تم تعييني سفيرًا لمصر في الكونغو، وذهبت هناك فوجدت الوضع غير مستقر، إذ تم خلع لومومبا من منصبه كرئيس للوزراء، وكانت بلجيكا التي كانت تستعمر الكونغو قد وضعت للبلاد قانونًا قصدت منه أن يظل تصريف الأمور في يدها، وأن تكون هي الحكم في كل شيء، ونتيجة لتدهور الأمور قررت الأمم المتحدة إرسال قوة دولية من الدول الإفريقية المستقلة، وكانت لمصر ضمنها كتيبة يرأسها الرائد سعد الدين الشاذلي، وعندما كان لومومبا في السلطة طلب من مصر إرسال بعثة عسكرية لتدريب الجيش الكونغولي، وقد استجابت مصر لطلبه، وأرسلت البعثة التي كان يرأسها العميد أحمد إسماعيل، وقمنا بتهريب أسرة لومومبا إلى القاهرة، وعندما هرب لومومبا من الحصار تم قتله! وقد أبلغني وزير الخارجية الكونغولي في حكومة موبوتو أنني لم أعد شخصًا مرغوبًا فيه، فتم قطع العلاقات الدبلوماسية، وكان الرد المصري بتأميم جميع ممتلكات بلجيكا في مصر، وقطع العلاقات معها.
الفكرة من كتاب مع عبد الناصر والسادات… سنوات الانتصار وأيام المحن
يذكر الدكتور مراد غالب في مذكراته التي بين أيدينا العديد من الأحداث والمواقف التي شهدها وعايشها خلال توليه العديد من المناصب الهامة في الدولة المصرية خلال فترة حكم عبد الناصر والسادات.
مؤلف كتاب مع عبد الناصر والسادات… سنوات الانتصار وأيام المحن
مراد غالب: هو طبيب مصري، تخرج في كلية الطب، وحصل على درجة الدكتوراه، وعمل أستاذًا للأنف والأذن والحنجرة بجامعة الإسكندرية، كانت له علاقة صداقة قوية بعددٍ من الضباط الأحرار، وكانت له أنشطة وطنية قبل ثورة 23 يوليو، وقد أقنعه الرئيس جمال عبد الناصر بترك الطب والدخول في العمل السياسي، عمل في العديد من المناصب، أهمها، العمل سكرتيرًا ثالثًا للسفارة المصرية بموسكو بالاتحاد السوفيتي، ثم مستشارًا للرئيس جمال عبد الناصر، ثم وكيلًا لوزارة الخارجية، ثم سفيرًا لمصر بالكونجو، ثم سفيرًا لمصر بموسكو منذ عام 1961 إلى عام 1971، وفي عهد الرئيس السادات شغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية، ثم وزيرًا للخارجية، ثم وزيرًا للإعلام، ثم وزيرًا للوحدة بين مصر وليبيا، ثم سفيرًا لمصر بيوغسلافيا، وفي نوفمبر عام 1977 قدَّم استقالته احتجاجًا على زيارة الرئيس السادات للقدس وتوقيعه معاهدة السلام، وفي عام 1988 انتخب رئيسًا لمنظمة الشعوب الأفروأسيوية وظل في هذا المنصب حتى وفاته عام 2007.
لعب دورًا كبيرًا في توطيد العلاقات وتقويتها بين مصر والاتحاد السوفييتي، وقد حصل على وسام (بطل العمل الاشتراكي) وهو أحد أرفع الأوسمة بالاتحاد السوفييتي.