الانحراف بين القسوة والتدليل
الانحراف بين القسوة والتدليل
ما الذي يمكن أن يسبِّب انحرافًا للأبناء؟ قد يشغل هذا السؤال ذهن كثيرٍ من المربين عند رؤيتهم لمناظر عجيبة من حال بعض الشباب فيتعجَّبون لماذا حالهم هكذا! بالطبع هناك قائمة من الإجابات الواضحة للوصول إلى أنماط مختلفة من الانحرافات من ذلك مثلًا: شعور الطفل بأنه غير مرغوب فيه في الأسرة، يبدو أنه سبب صادم وربما تظن أن لا صلة بينه وبين الانحراف، لكن إن نظرت بتأمل قليلًا إلى ما وراء هذا الشعور نجد تفاصيل أكثر عمقًا، هذا الشعور بالرفض قد يكون نابعًا من عيب خلقي مثلًا، أو من رفض لنوع الجنس كما في بعض الأسر التي تفضل الذكور على الإناث أو العكس، أو من رفض للحمل أصلًا، تخيَّل أسبابًا كهذه تخرج لنا أفرادًا عدوانيين ناقمين على أسرهم ومجتمعاتهم تملؤها الكراهية والغضب!
ومن النقيض إلى النقيض تمامًا، نجد أن الحماية الزائدة والتدليل المفرط والخوف المرضي، وبخاصةٍ من قبل الأم ينشئ أفرادًا مضطربين تتنازعهم رغباتهم الملبَّاة بشكل مستمر مع النظام والالتزام الذي يعيش به المجتمع والذي لا يلبي كل احتياجات الأفراد بالطبع، وفيه قدر من المحافظة على القيم السليمة، العجيب أن من كانت هذه نشأته قد نجده في يوم من الأيام متمرِّدًا ومنحرفًا، لكن متمرِّد على من؟ على أمه نفسها إن هي حالت دون تطلُّعاته ورغباته المتعارضة مع الأخلاق والقيم والآداب!
انفصال الطفل مبكرًا عن أمه، ونشوؤه في أسرة مضطربة تسودها النزاعات والشجار الدائم بين الوالدين بل وربما السباب والشتم، وأيضًا الغيرة التي تنشأ بين أطفال الأسرة الواحدة ولا يتم التعامل معها بشكل صحيح، وكذلك مستوى الأسرة المادي، بل ونظام الفرد نفسه داخل الأسرة، هل هناك نظام يومي جدول وأعمال تشغله أم أن الفراغ يملأ حياته، كل هذه عوامل محفِّزة لحدوث انحراف بأي شكل كان لدى الأبناء.
الفكرة من كتاب اجعل ابنك يثق بنفسه
حين يُقدم المرء على اتخاذ قرار تكوين الأسرة بادئًا بالزواج ثم الإنجاب والتربية، عليه أن يعلم أنه مُقدِم على مسؤولية شريفة وأمانة عظيمة إن هو احتسب الأجر فيها وأعدَّ لها عدتها، فأن تكون مسؤولًا عن زوجة/ زوج ثم عن أبناء تمرُّون معًا بمراحل حياتية مختلفة وأحداث يومية متجدِّدة أمر يحتاج إلى صبر ومجاهدة واحتساب، ويحتاج أيضًا إلى تزكية للنفس وتعلُّم ومحاولة اكتشاف ومعرفة نفس الآخر ويحتاج إلى فقه للواقع المعيش وطرق التعامل معه وإلى ترتيب لأولويات الحياة، فالتربية الحسنة تبدأ من قبل أن يأتي طفلك، تبدأ منذ اختيارك لشريك حياتك، ثم تتغيَّر صورها مع الوقت، واطمئن فلست وحدك، المدرسة معك، أسرتك الكبيرة معك والمسجد أيضًا وربما الإعلام، في نهاية الأمر تبقى البيوت غراسنا: زراعتنا.. عنايتنا.. بها تحدِّد وتسفر عن حصادها مع مرور الأيام، وحتى يبلغ بنا الكبر عتيًّا، نبرُّهم اليوم فيبروننا غدًا.
عن التربية والمراهقة، وعن البر والعقوق، وعن المؤسسات التربوية والقصص الواقعية والأمثلة الحياتية يتحدَّث هذا الكتاب.
مؤلف كتاب اجعل ابنك يثق بنفسه
خالد عبدالله الشمروخ: مواليد دولة الكويت عام 1967م ، حاصل على ثلاث شهادات أكاديمية: علم النفس التربوي من كلية التربية جامعة الكويت، ومحاسبة بكلية الدراسات التجارية بالكويت أيضًا، وعلوم عسكرية بالكلية العسكرية بالكويت، وهو ناشط إعلامي واجتماعي، وله برامج إذاعية وتلفزيونية، وكاتب في عدة صحف كويتية، له كتاب آخر بعنوان: “كيف تواجه الجمهور بثقة؟”.