إنقاذ الصحافة
إنقاذ الصحافة
كانت أحد الاقتراحات لضمان استمرار الصحف المطبوعة أن تتحوَّل إلى مؤسسات غير هادفة إلى الربح كالجامعات بحيث تُموَّل من منح المؤسسات الاستثمارية وتبرُّعات الأفراد والجمعيات، ولكن لم يكن حلًّا واقعيًّا لأن العائد المأمول من هذه الطريقة لا يكفي، والجامعات نفسها لا تقوم ميزانيتها على تلك المنح وحدها، واقترح البعض أن تتولَّى الحكومة نفسها تمويل الصحافة الأمر الذي قُوبل بالرفض أيضًا لأن القارئ وبخاصةٍ الأمريكي لا يشعر في العادة بالارتياح ولا الثقة في الاستقلال السياسي للمشروعات التي تنفق عليها الدولة، وقد أبان تقرير صحفي أنه مقابل استخدام موجات الهواء -وهي من موارد الدولة- يوصي المجلس الفيدرالي للاتصالات جهات البث الإعلامي للظهور كخادمة للمصلحة العامة، ويرى مؤلفا كتاب “موت وحياة الصحافة الأمريكية” أنه لو أعطت الحكومة الصحف النسبة المئوية نفسها من الناتج المحلي التي كانت تعطيها عام ١٨٤٠ -وهو وقت لم تكن تعتمد فيه الصحافة على الإعلانات- لامتلكت موردًا ماليًّا يُقدَّر بـ٣٠ مليار دولار، ويقترحان منح كل مشترك في صحيفة ائتمانًا على ضرائبه السنوية بقيمة ٢٠٠ دولار، وإعفاء الصحفيين من بعض الضرائب، فهما يعتقدان بقوة الضرائب لحماية استقلال الصحافة.
كانت وسائل المحافظة على الصحافة في أوروبا مختلفة، فقد دعمت إيطاليا الصحافة بأكثر من ٧٠٠ مليون يورو، واقترحت الحكومة الفرنسية منح اشتراك مجاني لمدة عام كامل لزيادة القراء، ثم عُدِل عنه إلى منح عدد مجاني من إحدى الصحف كل أسبوع لمدة عام وكانت الاستجابة كبيرة جدًّا واحتلَّت صحيفة “لوموند” الصدارة في الاختيار، كما أثبتت أن الشباب ليسوا معارضين للصحافة المطبوعة، إلا إنهم يعجزون عن تغطية نفقة شرائها كل يوم، إذ إنَّ التحول عن الصحافة المطبوعة إلى الإنترنت يبدو أمرًا محتَّمًا، والمشكلة ليست في نوع الوسيلة العارضة ولكن في طبيعة متصفح الإنترنت المعتاد على المختصرات والتقارير المختزلة زمن ثم يفقد عادة القراءة تدريجيًّا، وينعكس ذلك على جودة وعمق المادة المعروضة للقارئ، والمشكلة الثانية هي أن ضغط الإعلانات على وسائل الإعلام للوصول إلى أكبر عدد من المستهلكين يأتي على حساب المحتوى الفكري، ويتجه بالصحافة المطبوعة نحو الاضمحلال، بل يغرم المستهلك ضريبة غير مباشرة نتيجة ارتفاع سعر المنتجات ليتحمَّل مصاريف الإعلان عنه، وهو ما يخالف تصوُّرات البعض أن انتشار السلعة في السوق يؤدي إلى رخص سعرها.
الفكرة من كتاب المال والكلمات (تجارب في التمويل الثقافي)
يناقش أندريه شيفرين في هذا الكتاب مظاهر التحوُّل في عالم الكلمات في السنوات الأخيرة، ويرصد الأحوال الطارئة على دور النشر والسينما ومتاجر الكتب والصحافة والمآلات التي قد تصير إليها بحس خبير في عالم النشر والكتب والإعلام وعقلية مدركة لمساوئ الرأسمالية وأضرار التكنولوجيا على الحراك الثقافي والإعلامي، وهو تتمَّة لكتابه السابق “عالم أعمال الكتب” الذي لاقى ردود فعل متباينة، ورغم أنه يتناول التغيرات الثقافية في قطعة صغيرة من العالم؛ في أمريكا وبعض أوروبا، فإن الوضع في العالم العربي مشابه إن لم يكن أسوأ، بل ربما ما زال مثقَّفوه لم ينتبهوا لوجود مشكلة من الأساس أو لم يحرِّكوا حيالها أي ساكن يظهر أثره.
مؤلف كتاب المال والكلمات (تجارب في التمويل الثقافي)
آندريه شيفرين : وُلِد شيفرين عام ١٩٣٥، ودرس في جامعتي ييل وكامبريدج، وهو كاتب فرنسي أمريكي ذو توجُّه اشتراكي مناهض للشيوعية، عارض الغزو السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا وحرب الولايات المتحدة في فيتنام، وعمل لمدة ثلاثين عامًا ناشرًا لـ«Pantheon Books»، ثم أسَّس في عام ١٩٩٢ مؤسسة «The New Press» غير الربحية، لمعارضته الاتجاهات الاقتصادية التي منعته من نشر الكتب الجادة التي يرى وجوب توفيرها، وكانت أزمة النشر الغربي على رأس اهتماماته، وقد مُنِح شيفرين وسام جوقة الشرف من الحكومة الفرنسية عام ٢٠١١، وتُوفِّي بعدها بسنتين بسرطان البنكرياس.
من مؤلفاته:
– The Business of Books: How the International Conglomerates Took Over Publishing and Changed the Way We Read.
– A Political Education: Coming of Age in Paris and New York.