المثال النرويجي
المثال النرويجي
دولة صغيرة تمسَّكت بعملتها المحلية وأبت الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي صيانةً لاستقلالها الثقافي وأطلقت سلطاتها العنان للمفكرين والفنانين لينتجوا ثقافة إبداعية مميزة، وأنشأت المسارح وصالات العرض المتنقِّلة للوصول إلى المناطق الأقل سكانًا، وقد أعان ثراء الدولة على تحقيق مثل ذلك الترف، ففي الخمسينيات كان غزو الكتب من دولة الدنمارك المجاورة يشكِّل تهديدًا للنشر النرويجي المحلي، ولم تكن للشعب النرويجي طاقة لكبح جماح العولمة وثقافة الاستهلاك الحديثة لكن بحلول الستينيات طفق النرويجيون يتداركون ثقافتهم المحلية، ودعَّمت الحكومة الصحافة وأعفتها من ضريبة الرفاهية المقدَّرة بمليار كرونر نرويجي سنويًّا، دون أي تدخُّل في المحتوى الذي تنشره الصُحف، وتحوَّل المشهد الإعلامي من متجر وحيد يبيع صحفًا أجنبية في ذلك الحين إلى ٢٢٤ صحيفة، وبحجم توزيع نحو ٣٧٠ ألف نسخة لكبرى الصحف، وهو ما يعادل نحو ربع السكان، أما مجموع توزيع الجرائد اليومية فيقارب ٦٠٧ نسخ لكل ألف نسمة، وهو أعلى معدل في العالم تليها السويد ثم بريطانيا.
ومع ذلك، لم تسلم النرويج من قبضة الرأسمالية التي اجتاحت أوروبا الغربية، ولم تنجُ من سيطرة التكتُّلات التجارية على وسائل الإعلام، ما دفع الحكومة إلى التدخُّل السريع للحفاظ على حركة النشر مستقلة فأَسَّست “مجلس الفنون” لوضع حد أدنى لمبيعات الناشرين من خلال إتاحتها لشريحة واسعة من الناس عبر المكتبات العامة، وللمجلس لجنة مختصَّة بقراءة كل كتاب، وفي كل عام يشتري المجلس ألف نسخة من كل عنوان من ٢٢٠ عنوانًا في أدب الخيال للبالغين و١٥٥٠ نسخة من كل عنوان من ١٣٠ عنوانًا للأصغر سنًّا، وهي أرقام كبيرة بالنسبة لعدد السكان، وقد حقَّق البرنامج نتائج عظيمة وأبقى على حركة النشر والتأليف حية وغير غارقة في الإعلام الدولي، أما صناعة السينما فتظهر فيها ملامح الحفاظ على الخصائص النرويجية والإفلات من هيمنة هوليود بشكل أكبر؛ فنصف دور السينما ملكية عامة تؤدي وظيفة ثقافية وتشجِّع الصناعة المحلية لا مجرد أداة للتربُّح، وأنشأت الحكومة “قانون الفيديو والفيلم” لرقابة الأفلام ومنح الترخيص لعرضها، كما فرضت ضريبة على تذاكر السينما لدعم الأفلام المحلية، وزوَّدت المناطق النائية بشاشات عرض تستهدف ١٣٠ ألف مشاهد كل عام.
الفكرة من كتاب المال والكلمات (تجارب في التمويل الثقافي)
يناقش أندريه شيفرين في هذا الكتاب مظاهر التحوُّل في عالم الكلمات في السنوات الأخيرة، ويرصد الأحوال الطارئة على دور النشر والسينما ومتاجر الكتب والصحافة والمآلات التي قد تصير إليها بحس خبير في عالم النشر والكتب والإعلام وعقلية مدركة لمساوئ الرأسمالية وأضرار التكنولوجيا على الحراك الثقافي والإعلامي، وهو تتمَّة لكتابه السابق “عالم أعمال الكتب” الذي لاقى ردود فعل متباينة، ورغم أنه يتناول التغيرات الثقافية في قطعة صغيرة من العالم؛ في أمريكا وبعض أوروبا، فإن الوضع في العالم العربي مشابه إن لم يكن أسوأ، بل ربما ما زال مثقَّفوه لم ينتبهوا لوجود مشكلة من الأساس أو لم يحرِّكوا حيالها أي ساكن يظهر أثره.
مؤلف كتاب المال والكلمات (تجارب في التمويل الثقافي)
آندريه شيفرين : وُلِد شيفرين عام ١٩٣٥، ودرس في جامعتي ييل وكامبريدج، وهو كاتب فرنسي أمريكي ذو توجُّه اشتراكي مناهض للشيوعية، عارض الغزو السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا وحرب الولايات المتحدة في فيتنام، وعمل لمدة ثلاثين عامًا ناشرًا لـ«Pantheon Books»، ثم أسَّس في عام ١٩٩٢ مؤسسة «The New Press» غير الربحية، لمعارضته الاتجاهات الاقتصادية التي منعته من نشر الكتب الجادة التي يرى وجوب توفيرها، وكانت أزمة النشر الغربي على رأس اهتماماته، وقد مُنِح شيفرين وسام جوقة الشرف من الحكومة الفرنسية عام ٢٠١١، وتُوفِّي بعدها بسنتين بسرطان البنكرياس.
من مؤلفاته:
– The Business of Books: How the International Conglomerates Took Over Publishing and Changed the Way We Read.
– A Political Education: Coming of Age in Paris and New York.