جولة في خلية الإشريشيا كولاي
جولة في خلية الإشريشيا كولاي
ولنفهم الخلايا أكثر، سنتحدَّث عن مثال لخلية بكتيرية شهيرة هي الإيشريشيا كولاي؛ إنها أكثر كائن خلوي دُرِس علميًّا حتى الآن، وقد ساعدت دراستها على الوصول إلى كثير من الاكتشافات المهمة في الكيمياء الحيوية مثل اكتشاف الشفرة الوراثية ودورة تحلُّل السكريات (Glycolysis).
تعيش الإيشريشيا كولاي في أمعائنا عادةً، وتصنع لنا مركباتٍ مهمة مثل فيتامين (ك) وفيتامين (ب12)، ولا تسبِّب لنا مشكلات ما لم تغادر إلى مكان آخر في الجسم ولم تكتسب جينات تحوِّلها إلى بكتيريا ممرضة.
ويُمثِّل الماء 70% من وزنها، وربما تبدو تلك نسبة كبيرة لكنها أكثر تركيزًا ولزوجة من كثير من السوائل المعروفة مثل بياض البيض الذي يشكِّل الماء 90% منه.
بقية وزن الخلية تشكله جزيئات مثل البروتينات والأحماض الأمينية وغيرها، ربع الجزيئات تقريبًا مسؤول عن إنتاج الطاقة، إذ تهضم ما يصلها من غذاء في أمعائنا، وأكثر من نصف الجزئيات فيها تعمل على بناء البروتينات التي تُختزَن شفرتها الوراثية في قطعة DNA حلقية كبيرة إلا قليلًا من البروتينات تُحمَل شفرتها على قطع صغيرة من الـDNA تُسمَّى البلازميدات وتنتقل بين الخلايا البكتيرية بسهولة لتبادل الجينات؛ ما يتسبَّب في مشكلاتٍ مثل انتشار مقاومة المضادات الحيوية، ولكنه يمنحنا فوائد في مجالات مثل التكنولوجيا الحيوية والهندسة الجينية.
ولخلية الإيشريشيا كولاي جدار خلوي متعدِّد الطبقات يمثِّل حاجزًا واقيًا لها، ويتكوَّن الغلاف الخارجي فيه من دهون ذات سكريات عديدة Lipopolysaccharides يتعرَّف جهازنا المناعي على البكتيريا من خلالها ويُكوِّن أجسامًا مضادة لها Antibodies، أما الغشاء الداخلي في هذا الجدار فهو الغشاء السيتوبلازمي المليء ببروتينات ذات مهام متنوِّعة، وبين الغشاءين طبقة تُسمَّى البيريبلازم تتكوَّن من البيبدوجلاكن Peptidoglycan، أي شبكة متينة من السكريات العديدة والبروتين وفيه إنزيمات واقية. ويمنع الجدار الخلوي مرور الجزيئات الكبيرة الخطرة، لكنه يسمح بدخول الجزيئات الصغيرة مثل جزيئات الغذاء والأيونات، وفيه امتدادات شعرية بنهايات لزجة تُسمَّى فمبري Fimbriae تساعدها على الالتصاق بمكانها، وتنطلق منه أسواط حلزونية ذات محرِّك قوي؛ تعمل كمراوح دافعة propellers مسؤولة عن حركة الخلية بحثًا عن الغذاء.
الفكرة من كتاب آلات الحياة
هل فكَّرت من قبل في حجم الخلية؟ إنها أصغر ألف مرة من مفصل إصبعك الصغير، أي كحبة أرزٍ بالنسبة للغرفة التي تجلس فيها، وفي إصبعك بليون خلية، كبليون حبة أرز تحتاجها لملء غرفتك!
وفي داخل الخلية الحية، هناك عالم غير مرئي تملؤه العجائب؛ آلاتٌ دقيقة الحجم من الذرات والجزيئات يختلف تأثُّرها بالجاذبية والضغط وغيرها من العوامل اختلافًا كبيرًا عما ألفناه، وتعمل بكفاءة ودقة عالية في عالمٍ مزدحم وسريع، فما قصة تلك الآلات؟ وما العمليات التي تؤديها؟ وما قصة الفيروسات؟ وماذا عن الفيتامينات والسموم والعقاقير؟ هذا ما سنعرفه من خلال جولةٍ داخل الخلايا الحية المختلفة يأخذنا فيها هذا الكتاب.
مؤلف كتاب آلات الحياة
ديفيد س. جودسل: ولد عام 1961، وهو أستاذ مشارك في البيولوجيا الجزيئية بمعهد أبحاث سكربس Scripps Research Institute بكاليفورنيا، وأستاذ باحث بجامعة روتجرز Rutgers University في نيو جيرسي، كما أنه أحد مطوِّري برنامج AutoDock الذي يُعد من أشهر البرامج المستخدمة في الالتحام الجزيئي Molecular docking، ومعروف باستعمال مهاراته في الرسم وبرامج الحاسوب لعمل لوحات تجمع بين الإبداع والدقة العلمية، وله اهتمام بتبسيط العلوم لغير المتخصصين والطلاب والباحثين المبتدئين؛ فألَّف كتبًا في ذلك، منها:
Atomic Evidence: Seeing the Molecular Basis of Life.
Bionanotechnology: Lessons from Nature.
Our Molecular Nature: The Body’s Motors, Machines, and Messages.
والكتاب الذي بين أيدينا: آلات الحياة The Machinery of life.
معلومات عن المترجم:الدكتور وليد محمود الشارود: أستاذ مساعد بكلية الزراعة جامعة المنصورة، حصل على الدكتوراه في فسيولوجيا الميكروبات وميكروبيولوجيا الأغذية من جامعة ريدنج ببريطانيا، وكتب العديد من المقالات العلمية المبسَّطة بالعربية، وهو أحد مترجمي مجلة العلوم العربية، ورئيس تحرير البيولوجيا والعلوم الحيوية بمجلة التقدُّم في العلوم – Science progress التي تصدر في بريطانيا منذ أكثر من مئة عام.