عمليات حيوية
عمليات حيوية
إن ما يميِّز الخلية الحية حقًّا هو مقاومتها المستمرَّة للتحلُّل، وسعيها للاتزان مع البيئة المحيطة في خصائصها، وذلك من خلال العمليات الحيوية التي تؤديها.
وأولى هذه العمليات هو بناء الجزيئات، وصيانتها وإصلاحها في أثناء العمل، بالاعتماد على مصادر الطاقة المحدودة في البيئة المحيطة؛ فخلايا البكتيريا مثلًا تعتمد على ثاني أكسيد الكربون والأكسجين والأمونيا لتحقِّق اكتفاء ذاتيًّا، أما خلايانا فتحتاج أحماضًا أمينية لا يمكنها تصنيعها وفيتامينات وغير ذلك مما تستمدُّه من الغذاء، ولعمليات بناء الجزيئات في الإنسان صورتان، الأولى هي البناء ذرةً بذرة بمساعدة الإنزيمات البنائية في تفاعلات كيميائية أكثر كفاءة بكثيرٍ مما يمكننا فعله في معاملنا، والصورة الثانية هي البناء الموجَّه بواسطة المعلومات المخزَّنة في الأحماض النووية، والذي يتم من خلال عمليتي النسخ والترجمة، ويشارك فيه أكثر من 50 آلة جزيئية.
ثم تأتي عملية تسخير الطاقة، خصوصًا الطاقة التي تحتاجها الخلايا للتحكُّم في التفاعلات الكيميائية داخلها ولمقاومة التحلُّل، ويعدُّ ضوء الشمس هو مصدر الطاقة الأساسي على كوكبنا، وتستمدُّ كل الخلايا طاقتها منه بشكل مباشر أو غير مباشر، عدا بعض البكتيريا الغريبة التي تستمد طاقتها من تفاعلات لغازات الهيدوجين أو الأمونيا أو الكبريت.
وفي خلايانا، نحصل على كثيرٍ من الطاقة من تكسير سكر الجلوكوز، إذ تُفصَل ذرات الكربون والهيدروجين من جزيئاته لتتحد مع الأكسجين مكونةً الماء وثاني أكسيد الكربون، وهذا سر حاجتنا إلى الأكسجين الذي نتنفَّسه، ويولِّد هذا التفاعل كثيرًا من الطاقة وهو مشابه لحرق الخشب المُكوَّن من سلاسل سكريات طويلة، لكن خلايانا ليست موقدًا يحرق الغذاء، لأن الطاقة الحرارية يصعب الاحتفاظ بها أو استخدامها، ولذلك تُكسِّر خلايانا الجلوكوز في سلسلة من الخطوات وتحصل على الطاقة في حصص صغيرة تحت تحكُّمها، وتستخدم الخلايا أنواعًا مختلفة من الطاقة مثل الطاقة الكيميائية والكهروكيميائية وطاقة الحركة… ويُعدُّ مركب أدينوسين ثلاثي الفوسفات ATP -الذي يقترن بناؤه بتكسير الجلوكوز- هو العملة الأساسية للطاقة الكيميائية في الخلايا يصطادها وينقلها لتُستعمل في تفاعلات مختلفة.
وللخلايا عمليات مرتبطة بالحماية والإدراك، فهي تحمي مكوِّناتها بعزلة مختلفة الآليات كالأغشية وأغلفة السيليلوز القوية، وتستشعر البيئة حولها بآليَّات متنوِّعة حسب حاجتها.
الفكرة من كتاب آلات الحياة
هل فكَّرت من قبل في حجم الخلية؟ إنها أصغر ألف مرة من مفصل إصبعك الصغير، أي كحبة أرزٍ بالنسبة للغرفة التي تجلس فيها، وفي إصبعك بليون خلية، كبليون حبة أرز تحتاجها لملء غرفتك!
وفي داخل الخلية الحية، هناك عالم غير مرئي تملؤه العجائب؛ آلاتٌ دقيقة الحجم من الذرات والجزيئات يختلف تأثُّرها بالجاذبية والضغط وغيرها من العوامل اختلافًا كبيرًا عما ألفناه، وتعمل بكفاءة ودقة عالية في عالمٍ مزدحم وسريع، فما قصة تلك الآلات؟ وما العمليات التي تؤديها؟ وما قصة الفيروسات؟ وماذا عن الفيتامينات والسموم والعقاقير؟ هذا ما سنعرفه من خلال جولةٍ داخل الخلايا الحية المختلفة يأخذنا فيها هذا الكتاب.
مؤلف كتاب آلات الحياة
ديفيد س. جودسل: ولد عام 1961، وهو أستاذ مشارك في البيولوجيا الجزيئية بمعهد أبحاث سكربس Scripps Research Institute بكاليفورنيا، وأستاذ باحث بجامعة روتجرز Rutgers University في نيو جيرسي، كما أنه أحد مطوِّري برنامج AutoDock الذي يُعد من أشهر البرامج المستخدمة في الالتحام الجزيئي Molecular docking، ومعروف باستعمال مهاراته في الرسم وبرامج الحاسوب لعمل لوحات تجمع بين الإبداع والدقة العلمية، وله اهتمام بتبسيط العلوم لغير المتخصصين والطلاب والباحثين المبتدئين؛ فألَّف كتبًا في ذلك، منها:
Atomic Evidence: Seeing the Molecular Basis of Life.
Bionanotechnology: Lessons from Nature.
Our Molecular Nature: The Body’s Motors, Machines, and Messages.
والكتاب الذي بين أيدينا: آلات الحياة The Machinery of life.
معلومات عن المترجم:الدكتور وليد محمود الشارود: أستاذ مساعد بكلية الزراعة جامعة المنصورة، حصل على الدكتوراه في فسيولوجيا الميكروبات وميكروبيولوجيا الأغذية من جامعة ريدنج ببريطانيا، وكتب العديد من المقالات العلمية المبسَّطة بالعربية، وهو أحد مترجمي مجلة العلوم العربية، ورئيس تحرير البيولوجيا والعلوم الحيوية بمجلة التقدُّم في العلوم – Science progress التي تصدر في بريطانيا منذ أكثر من مئة عام.