أنبياء الحضارة.. الأرض مقابل الطابعة
أنبياء الحضارة.. الأرض مقابل الطابعة
على ضفتي المتوسط.. كانت هناك دولتان؛ إحداهما بدأت بالفعل ببسط سيطرتها على إيطاليا وتراودها أحلام الإمبراطورية، والأخرى تئن تحت وطأة المماليك وترتبط اسمًا فقط بالدولة العثمانية التي هرمت بالفعل ، ولم يكن هذا الغزو وقتيًّا أو وليد ذلك العهد، فمصر كانت دائمًا حلمًا فرنسيًّا منذ أيام الملك لويس التاسع ولم يستطع الفرنسيون نسيان جنات الشرق .
ولكن كون مصر مرتبطة بإمبراطورية قوية كان يخلق الكثير من المشكلات التي لم تكن فرنسا قادرة على تحملها، لذلك ما إن لُوحظ ضعف هذه الدولة وإمكانية الغزو بدأ التجهيز للحملة والبحث عن حجة لها، وكانت الحجة هي سوء معاملة المماليك للتجار الفرنسيين، وأيضًا باستيلاء الإنجليز على رأس الرجاء الصالح كان على الفرنسيين إيجاد منفذ آخر لهم، وكانت هناك ميزة أُخرى في مصر هي قطع أوصال الإنجليز عن مستعمراتهم، وكانت أحلام الشرق والتمدد قد بدأت تنتاب الجنرال الشاب نابليون بونابرت بعد انتصارات إيطاليا، ورأى في مصر مستعمرة ستضمن لفرنسا مستقبلًا آمنًا من المجاعات وسلة غذائية دائمة لجيوشها.
بدأت الحملة بالفعل عام 1798م بقيادة الجنرال نابليون وقد أخذت في طريقها الجزيرة الصغيرة مالطة، ثم توجهت إلى الإسكندرية واستولت عليها، وقد أَعدَّ الجنرال قبل وصوله الى الإسكندرية خطابه الشهير الذي يُطمئن فيه المصريين ويُحدثهم بكلام يُجلونه عن مجيئه لإعلاء كلمة الله ودحر أعدائه المماليك تحت راية السلطان العثماني بالطبع، والذي قال فيه إنه مُسلم يعبد الله ويحترم النبي مُحمدًا والقرآن.
لم يُؤت هذا الخطاب ثماره كما هو مُتوقع فقد واجهت الحملة مقاومة شعبية كثيفة في المناطق التي مرت بها كلها من دمنهور وحتى القاهرة، فقد تَجهز المماليك تحت قيادة مراد بك وإبراهيم بك وتواجه الفريقان في “معركة الأهرام” الشهيرة.
كان الفارق واضحًا للعيان وبإمكان الجميع تحديد من المنتصر، ودخل نابليون القاهرة، ولم يبق فيها غير أهلها، منتصرًا دون مقاومة مؤثرة، وقد راسله العلماء لمعرفة غايته فأعطاهم الأمان لسكان العاصمة وممتلكاتهم، ولم يكن هذا غزوًا سلميًّا بالطبع، فلا تحتلُّ دولة أخرى بدافع تمدينها وتحديثها، لقد كانت مصلحة فرنسا متمثلة في إحكام سيطرتها على البحر المتوسط وكانت مصر وسيلتها لذلك.
الفكرة من كتاب الحداثة والامبريالية: الغزو الفرنسي وإشكالية نهضة مصر
كانت مصر دائمًا حلمًا أوروبيًّا وتمثلت في أذهان الأوروبيين كطبق ذهبي يحمل جميع أحلامهم وحلول مشكلاتهم، ومنذ عهد الإسكندر أدرك الجميع أنه لا إمبراطورية على ضفاف المتوسط تريد السيطرة على الشرق دون مصر في قلب أقاليمها.
يُقدم الكاتب مراجعات مُهمة لآراء أصبحت ترى التقدم والتجربة الغربية هي الوحيدة، ويطرح وجهات نظر حديثة تُثبت بُطلان هذه الرؤى، وتُقدم الوجه الآخر الذي كان يتم التغاضي عنه دائمًا في سبيل “الحداثة والتنوير” القادمين مع أشياء أُخرى غير مهمة، حتى وإن كان الغزو والاستعمار.
مؤلف كتاب الحداثة والامبريالية: الغزو الفرنسي وإشكالية نهضة مصر
أحمد زكريا الشلق: من مواليد طنطا عام 1948م، حصل على الدكتوراه في الآداب فرع التاريخ الحديث والمعاصر بمرتبة الشرف الأولى بجامعة عين شمس، وقد حصل على العديد من الجوائز منها:
جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية 2010م.
جائزة الدولة للتفوق العلمي في العلوم الاجتماعية 2006م.
له الكثير من المؤلفات والدراسات التاريخية مثل:
رؤية في تحديث الفكر المصري.
العرب والدولة العثمانية.
إمبراليون ومستشرقون.