الأحوال في مكَّة
الأحوال في مكَّة
يُعدِّد ليون روش بعض المشاهد التي رآها في مكة، ومنها: مشهد الطلبة الذين يقومون بإلقاء المحاضرات الدينية تحت الأعمدة، أو المدرسين الذين يعلِّمون الأطفال القرآن، ومشهد الحمام الذي لا يحصى عدده في باحة المسجد.
وبدأ في سرد المعلومات التي تمكَّن من جمعها حول الإدارة الداخلية وإيرادات الحرم، وذكر أن مكة والمدينة ترد إليهما هبات ضخمة من جميع البلدان الإسلامية، لكن الوكلاء المكلَّفين بسحب إيرادات الأموال العائدة إلى مكة والمدينة يستخدمونها لأغراض أخرى، ويبدِّدونها، ولا يصل إلا جزء منها إلى غايته.
ويقول: “وعلى الرغم من كونها تعدُّ الأكثر قداسة بالنسبة إلى العالم الإسلامي برمته، تعمُّ فيها الفوضى جميع فروع الإدارات الإسلامية، لأنه ما من شك في أن إيمانهم راسخ كإيمان النصارى، لكنه إيمان دون أعمال”.
كما تحدَّث عن طمع بعض المكِّيين الذين يشرفون على خدمة المسجد، وما يمارسونه من أساليب لابتزاز الحجاج، فمعظمهم يرى أن عليه استغلال موسم الحج، فلا يقدِّم أي خدمة إلا وعليها أجر.
ولكن ليون روش كان حريصًا على أن يُنهي مهمته التي كان من أجلها هنا، وهي الذهاب إلى الشريف الأكبر في الطائف للتصديق على الفتوى، فأرسل رسالة إلى الشريف الأكبر يخبره بأنه يحمل إليه رسائل مهمَّة من أصهاره ومن صديقه السيد فرينيل وأنه ينتظر أوامره، وأرسل الرسالة مع أحد الحراس الزنوج وانتظر عودته.
وقد استغلَّ هذه الأيام في مزيد من التجوُّل في مكة وزيارة أماكن المسلمين، فزار مكان مولد النبي (صلى الله عليه وسلم) ومولد فاطمة وعلي وأبي بكر الصديق وخديجة (رضي الله عنهم جميعًا)، كما زار جبل أبو قبيس، ومقام شق القمر، وجبل ثور والجبل الذي به غار حراء.
الفكرة من كتاب اثنتان وثلاثون سنة في رحاب الإسلام – مذكرات ليون روش عن رحلته إلى الحجاز
يروي ليون روش في مذكراته رحلته إلى بلاد الشرق، وحجته إلى مكة المكرمة، وذلك ضمن رحلته التي كُلِّف بها من قِبل الحاكم العسكري الفرنسي للجزائر، إذ كُلِّفَ بالسفر إلى تونس ومصر والحجاز لأجل فتوى تدعو الجزائريين إلى قبول الحُكم الفرنسي مُقابل أن يحترم هذا الحُكم دينهم وعاداتهم وتقاليدهم.
فسافر روش حاملًا تلك الفتوى ليحصل على مُصادقة علماء جامع الزيتونة بتونس، وعلماء الأزهر في مصر، وعلماء المُسلمين في الطائف بالحجاز، فقد كانت الطائف مقر الشريف الأكبر شريف مكة المُكرمة حينها، وعندما وصل الحجاز كان موسم الحج، فأراد حضور شعائر الحج، ودوَّن في مذكراته كل ما كان يعتقده مهمًّا لأهل بلده -فرنسا- ليكون توثيقًا لحال المُسلمين في البلاد التي زارها، وتوثيقًا للأماكن والبُقع المُباركة.
مؤلف كتاب اثنتان وثلاثون سنة في رحاب الإسلام – مذكرات ليون روش عن رحلته إلى الحجاز
ليون روش: مترجم وسفير فرنسي، ولد في فرنسا عام 1809م، وقد شارك والده في الحملة الفرنسية على الجزائر عام 1830م، فلما استوطن في الجزائر دعا ولده للالتحاق به، فعاش ليون روش مع والده، فتعلَّم العربيَّة وخالط أهل الجزائر، وتولَّى الترجمة في الإدارة الفرنسية، ثم التحق بالأمير عبد القادر مُتجسِّسًا لصالح الحملة الفرنسية، فأعلن إسلامه وسُمِّي بـ”عمر بن عبد الله”، ورافق الأمير في كل تنقُّلاته ورحلاته، ولما قامت الحرب بين الأمير وفرنسا انشقَّ عن الأمير والتحق بالسلطة الفرنسية.
من مؤلفاته:
Trente-Deux ANS a Travers l’Islam (1832-1864)
معلومات عن المُترجم (المُقدِّم):
محمد خير محمود البقاعي: باحث ومحقق ومترجم سوري، ولد عام 1956م، ترجم عن اللغة الفرنسية، وقام بتحقيق عدد من دواوين الشعراء العرب القدامى، وحصل على جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة في دورتها التاسعة وذلك عام 2018.