إلى مكَّة
إلى مكَّة
تحرَّكت قافلة ليون روش من المدينة في الرابع عشر من ديسمبر متجهة إلى مكة، فسلكوا الطريق في أربعة أيام حتى وصلوا محطة الصفراء والتي استراحوا فيها، ثم إلى رابغ، ثم إلى محطة خُليص، ثم إلى وادي الجموم والتي لبسوا فيه ملابس الإحرام، فلم يعد يفصلهم عن مكة سوى يوم واحد.
وفي وصفه لملابس الإحرام يقول: “والإحرام هو الزي الذي ينبغي للحاج ارتداؤه عندما يقترب إلى مكة، يتألف من قطعتين من القماش الخشن أو من الكتان أو من الصوف.. تُشترى أقمشة الإحرام خصِّيصى للمُناسبة وتفتقر إلى أي زينة.. ولا يجوز للحاج المُحرم حلق شعره، وعليه أن يمشي بوقار على الدوام، وألا يقتل أي كائن حي، وعليه أن يمتنع عن الشجار وعن كل صلة بالنساء”، وما إن دخلوا مكة حتى أحاط بهم عدة أشخاص يُطلق على واحدهم “المطوِّف” فأدخلوهم الحرم المكي عبر باب السلام.
ويُعطي ليون روش نبذة عن الحج، فيقول: “غاية الحج هي الكعبة.. وتذكر التقاليد الإسلامية أن الله أمر إبراهيم (عليه السلام) بإعادة بناء الكعبة التي بناها في الأصل آدم وهدمها الطوفان، ثم استولى على مكة العرب العماليق، وتعرَّضت الكعبة خلال ألفي عام للهدم عدة مرات بسبب الفيضانات، ثم أعاد بناءها في نهاية الأمر عربي جاهلي يدعى عمرو بن لُحيَّ، ونصب فيها صنمًا يُدعى هُبل”.
وقد قام عبد المطلب بن هاشم جد النبي (صلى الله عليه وسلم) بإعادة حفر بئر زمزم، وفي فتح مكة؛ هدم النبي (صلى الله عليه وسلم) الأصنام وأبطل عبادتها”.
ثم وصف الكعبة قائلًا: “إن الحجر الأسود مثبت في زاوية البناء.. أما الميزاب فيوجد في الجهة الشمالية من الكعبة.. وتُكسى الكعبة بكسوة واسعة فضفاضة من الحرير الأسود تُجدَّد كل موسم حج، وتُصنع في القاهرة على نفقة السلطان العثماني”.
طاف ليون روش بالبيت سبعة أشواط، وسعى بين الصفا والمروة، فيصف مشهد الحجاج قائلًا: “كان مشهد الحجاج وهم يطوفون حول الكعبة مساءً، تحت ضوء القناديل، ويردِّدون أدعيتهم بصوت مرتفع مشهدًا مهيبًا يبعث على التقى”.
الفكرة من كتاب اثنتان وثلاثون سنة في رحاب الإسلام – مذكرات ليون روش عن رحلته إلى الحجاز
يروي ليون روش في مذكراته رحلته إلى بلاد الشرق، وحجته إلى مكة المكرمة، وذلك ضمن رحلته التي كُلِّف بها من قِبل الحاكم العسكري الفرنسي للجزائر، إذ كُلِّفَ بالسفر إلى تونس ومصر والحجاز لأجل فتوى تدعو الجزائريين إلى قبول الحُكم الفرنسي مُقابل أن يحترم هذا الحُكم دينهم وعاداتهم وتقاليدهم.
فسافر روش حاملًا تلك الفتوى ليحصل على مُصادقة علماء جامع الزيتونة بتونس، وعلماء الأزهر في مصر، وعلماء المُسلمين في الطائف بالحجاز، فقد كانت الطائف مقر الشريف الأكبر شريف مكة المُكرمة حينها، وعندما وصل الحجاز كان موسم الحج، فأراد حضور شعائر الحج، ودوَّن في مذكراته كل ما كان يعتقده مهمًّا لأهل بلده -فرنسا- ليكون توثيقًا لحال المُسلمين في البلاد التي زارها، وتوثيقًا للأماكن والبُقع المُباركة.
مؤلف كتاب اثنتان وثلاثون سنة في رحاب الإسلام – مذكرات ليون روش عن رحلته إلى الحجاز
ليون روش: مترجم وسفير فرنسي، ولد في فرنسا عام 1809م، وقد شارك والده في الحملة الفرنسية على الجزائر عام 1830م، فلما استوطن في الجزائر دعا ولده للالتحاق به، فعاش ليون روش مع والده، فتعلَّم العربيَّة وخالط أهل الجزائر، وتولَّى الترجمة في الإدارة الفرنسية، ثم التحق بالأمير عبد القادر مُتجسِّسًا لصالح الحملة الفرنسية، فأعلن إسلامه وسُمِّي بـ”عمر بن عبد الله”، ورافق الأمير في كل تنقُّلاته ورحلاته، ولما قامت الحرب بين الأمير وفرنسا انشقَّ عن الأمير والتحق بالسلطة الفرنسية.
من مؤلفاته:
Trente-Deux ANS a Travers l’Islam (1832-1864)
معلومات عن المُترجم (المُقدِّم):
محمد خير محمود البقاعي: باحث ومحقق ومترجم سوري، ولد عام 1956م، ترجم عن اللغة الفرنسية، وقام بتحقيق عدد من دواوين الشعراء العرب القدامى، وحصل على جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة في دورتها التاسعة وذلك عام 2018.