في مدينة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
في مدينة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
بعدما استعدوا للتحرُّك من ينبع عزموا على الإقامة في المدينة لمدة ثلاثة أيام، وتحرَّكوا مع قافلة تجارية تقصد المدينة أسبوعيًّا، حتى وصلوا إلى “بدر حنين”، وفي وصفها يقول ليون روش: “كانت بدر مسرحًا لأحد الأحداث المُهمَّة في سيرة النبي مُحمد (صلى الله عليه وسلم) وورد ذكرها في القرآن، وكانت معركة ضد قريش في السنة الثانية من الهجرة، وانتصر فيها المسلمون”.
وقد شاهد آثار قبور الصحابة (رضوان الله عليهم) الذين استشهدوا يوم بدر، ثم زار مسجد الغمامة، وقد سمع من المُفتي السيد الحاج الكثير من السيرة النبوية، وتعلَّم منه تفاصيل أماكن السيرة في المدينة ومكة.
وفي اليوم الحادي عشر من ديسمبر دخل ليون روش المدينة المنورة، وقد لمح قبة ضريح النبي (صلى الله عليه وسلم)، وفي وصفه للمدينة يقول: “تبدو المدينة جذَّابة، تحيط بها رياض غنَّاء تكثر من أشجار النخيل. دخلنا الحرم عبر بوابة مهيبة تنفتح على صف من الأعمدة تقودنا إلى ضريح النبي (صلى الله عليه وسلم)، أقبل الليل وكانت المصابيح المتدلِّية من القبب القوطيَّة تبعث نورًا خفيًّا على الأعمدة المطليَّة، والكتابات الذهبية والسجاد البديع.. بدا المنظر أخاذًا”.
وبدأ بوصف المسجد النبوي ومكانه من المدينة، والطول التقريبي للأعمدة ومكان قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) من المسجد، وقد كان محاطًا بكثير من هبات مُقدَّمة من أمراء البلاد الإسلامية ولكنها تعرَّضت للدمار والنهب، حينما دخل المدينة السعوديون -يقصد الوهابيين- وقد استفاض في شرح الحركة الوهابية وأثر غزواتهم في أرض الحجاز.
ثم عاد إلى وصف المسجد النبوي من الناحية التاريخية، منذ أن أقامه النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد الهجرة، ثم التوسعة التي قام بها عمر بن الخطَّاب (رضي الله عنه)، ثم توسعة الوليد بن عبد الملك، ثم التوسعة التي قام بها السلطان بيبرس حاكم مصر.
كما قام بزيارة جبل أحد، ومسجد قباء، والكثير من الأضرحة لأشخاص لهم دور كبير في التاريخ الإسلامي مثل الإمام مالك بن أنس مؤسس المذهب المالكي.
الفكرة من كتاب اثنتان وثلاثون سنة في رحاب الإسلام – مذكرات ليون روش عن رحلته إلى الحجاز
يروي ليون روش في مذكراته رحلته إلى بلاد الشرق، وحجته إلى مكة المكرمة، وذلك ضمن رحلته التي كُلِّف بها من قِبل الحاكم العسكري الفرنسي للجزائر، إذ كُلِّفَ بالسفر إلى تونس ومصر والحجاز لأجل فتوى تدعو الجزائريين إلى قبول الحُكم الفرنسي مُقابل أن يحترم هذا الحُكم دينهم وعاداتهم وتقاليدهم.
فسافر روش حاملًا تلك الفتوى ليحصل على مُصادقة علماء جامع الزيتونة بتونس، وعلماء الأزهر في مصر، وعلماء المُسلمين في الطائف بالحجاز، فقد كانت الطائف مقر الشريف الأكبر شريف مكة المُكرمة حينها، وعندما وصل الحجاز كان موسم الحج، فأراد حضور شعائر الحج، ودوَّن في مذكراته كل ما كان يعتقده مهمًّا لأهل بلده -فرنسا- ليكون توثيقًا لحال المُسلمين في البلاد التي زارها، وتوثيقًا للأماكن والبُقع المُباركة.
مؤلف كتاب اثنتان وثلاثون سنة في رحاب الإسلام – مذكرات ليون روش عن رحلته إلى الحجاز
ليون روش: مترجم وسفير فرنسي، ولد في فرنسا عام 1809م، وقد شارك والده في الحملة الفرنسية على الجزائر عام 1830م، فلما استوطن في الجزائر دعا ولده للالتحاق به، فعاش ليون روش مع والده، فتعلَّم العربيَّة وخالط أهل الجزائر، وتولَّى الترجمة في الإدارة الفرنسية، ثم التحق بالأمير عبد القادر مُتجسِّسًا لصالح الحملة الفرنسية، فأعلن إسلامه وسُمِّي بـ”عمر بن عبد الله”، ورافق الأمير في كل تنقُّلاته ورحلاته، ولما قامت الحرب بين الأمير وفرنسا انشقَّ عن الأمير والتحق بالسلطة الفرنسية.
من مؤلفاته:
Trente-Deux ANS a Travers l’Islam (1832-1864)
معلومات عن المُترجم (المُقدِّم):
محمد خير محمود البقاعي: باحث ومحقق ومترجم سوري، ولد عام 1956م، ترجم عن اللغة الفرنسية، وقام بتحقيق عدد من دواوين الشعراء العرب القدامى، وحصل على جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة في دورتها التاسعة وذلك عام 2018.