من مصر إلى ينبع في الحجاز
من مصر إلى ينبع في الحجاز
يبدأ هذا الكتاب من مذكرات ليون روش حينما عزم الذهاب إلى مكة حاملًا الفتوى إلى الشريف الأكبر، مستعدًّا للمُشاركة في موسم الحج حيث يجتمع العُلماء.
وقد كان هدفه الأكبر في تدوين هذه الرحلة أن تكون مذكِّراته دروسًا مفيدة لمن سيقرؤها من أبناء بلده، فلم يشغله النجاح الأدبي، بل شغلته أهمية المعلومات التي سيقدمها، وذلك خوفًا من حدوث تعقيدات إسلامية في إفريقيا تُهدِّد الهيمنة الفرنسية، كما تمنَّى أن تُضيف مذكراته مراجعة للوسائل المُستخدمة لمحاربة الأمير عبد القادر، سواء كانت وسائل معنوية أو مادية، للقضاء على هيبته وكسب تأييد الشعوب المُسلمة.
استلم روش الفتوى وانطلق من مصر إلى الحجاز، ورغم رغبته في الوصول إلى مكة قبل موسم الحج بأيام، فإن شريكه كان يريد الوصول إلى المدينة المنوَّرة أولًا.
تحرَّك مع قافلة أولاد بن علي التي ستصل إلى ينبع القريبة من المدينة المنوَّرة، وقد تعهَّد الوكيل لأولاد بن علي أن يختار “مُقوِّمًا” يصحبهم في رحلتهم، والمُقوِّم هو الشخص الذي يقوم بتأجير الجمال مُسبقًا، ويوفِّر الزاد من طعام وشراب خلال الرحلة، وبالفعل غادر القاهرة في السادس من نوفمبر عام 1841م برفقة السيد الحاج حسن وزوجته وخادمتيه وخادميه.
وبعد سير على الأقدام وسير بالجمال، وقطع البدو الطريق عليهم ونجاتهم منهم، وصلت القافلة إلى منطقة ينبع النخل في الثاني من ديسمبر، وانقسمت القافلة هنا إلى قسمين؛ قسم سار باتجاه مكَّة وقسم سار باتجاه المدينة، فكان ليون روش من القسم الثاني المُتجه إلى المدينة المنورة.
وصلوا إلى ينبع وهي من أهم موانئ البحر الأحمر، ويقيم فيها عرب ينتسبون إلى قبيلة جهينة، والتقى السيد الحاج اثنين من معارفه في ينبع، ووصفوا لهم معلومات دقيقة عن الطريقة التي يُعامل بها الحُجاج في المناطق المختلفة، وكيف يتعرَّض الكثير منهم للابتزاز وسوء المعاملة، وبالفعل فقد شاهد ليون روش سفينتين محمَّلتين بالحجاج إحداهما قادمة من السويس والأخرى من القصير، فرأى حال الحجاج وقد تحمَّلوا الكثير طيلة عشرين يومًا.
الفكرة من كتاب اثنتان وثلاثون سنة في رحاب الإسلام – مذكرات ليون روش عن رحلته إلى الحجاز
يروي ليون روش في مذكراته رحلته إلى بلاد الشرق، وحجته إلى مكة المكرمة، وذلك ضمن رحلته التي كُلِّف بها من قِبل الحاكم العسكري الفرنسي للجزائر، إذ كُلِّفَ بالسفر إلى تونس ومصر والحجاز لأجل فتوى تدعو الجزائريين إلى قبول الحُكم الفرنسي مُقابل أن يحترم هذا الحُكم دينهم وعاداتهم وتقاليدهم.
فسافر روش حاملًا تلك الفتوى ليحصل على مُصادقة علماء جامع الزيتونة بتونس، وعلماء الأزهر في مصر، وعلماء المُسلمين في الطائف بالحجاز، فقد كانت الطائف مقر الشريف الأكبر شريف مكة المُكرمة حينها، وعندما وصل الحجاز كان موسم الحج، فأراد حضور شعائر الحج، ودوَّن في مذكراته كل ما كان يعتقده مهمًّا لأهل بلده -فرنسا- ليكون توثيقًا لحال المُسلمين في البلاد التي زارها، وتوثيقًا للأماكن والبُقع المُباركة.
مؤلف كتاب اثنتان وثلاثون سنة في رحاب الإسلام – مذكرات ليون روش عن رحلته إلى الحجاز
ليون روش: مترجم وسفير فرنسي، ولد في فرنسا عام 1809م، وقد شارك والده في الحملة الفرنسية على الجزائر عام 1830م، فلما استوطن في الجزائر دعا ولده للالتحاق به، فعاش ليون روش مع والده، فتعلَّم العربيَّة وخالط أهل الجزائر، وتولَّى الترجمة في الإدارة الفرنسية، ثم التحق بالأمير عبد القادر مُتجسِّسًا لصالح الحملة الفرنسية، فأعلن إسلامه وسُمِّي بـ”عمر بن عبد الله”، ورافق الأمير في كل تنقُّلاته ورحلاته، ولما قامت الحرب بين الأمير وفرنسا انشقَّ عن الأمير والتحق بالسلطة الفرنسية.
من مؤلفاته:
Trente-Deux ANS a Travers l’Islam (1832-1864)
معلومات عن المُترجم (المُقدِّم):
محمد خير محمود البقاعي: باحث ومحقق ومترجم سوري، ولد عام 1956م، ترجم عن اللغة الفرنسية، وقام بتحقيق عدد من دواوين الشعراء العرب القدامى، وحصل على جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة في دورتها التاسعة وذلك عام 2018.