أزمة هوية
أزمة هوية
جاء في السُّنة واللغة العربية أسماء كثيرة حول مرحلة ما قبل البلوغ للصبي، ومنها: الغلام ويُلقَّب بها الصبي من وقت ولادته حتى يبلغ، واليافع أي من قارَب البلوغ، والمناهز، والحزَوَر، والوصيف، والملِمُّ، والثَّوْهد ويُعنى به الغلام التام الخُلق المُراهق، والشرخ أي الذين لم يبلغوا الحلم، الجَفْر، والجَحُوش، وهناك ألقاب أخرى للإناث عن مرحلة ما قبل البلوغ وهي: الجارية، والعواتق، والمعساء، ومعاصير، وإذا بلغ الغلام أو الجارية لُقبوا بـ”البالغ” للذكر و”البالغة” للأنثى، والحانث، والحالم، والشاب، والكبير، ومن الممكن إعادة صياغة مصطلح يناسب مرحلة ما قبل البلوغ والبلوغ من الدين، ومراجعة المصطلحات الغربية بما يتفق مع الأصول العربية والشرعية.
ولكي يتم حل مشكلة ترجمة المصطلحات الغربية في مجال علم النفس بخاصة، يجب الرجوع إلى المعاجم العربية، فحين تم نقل مصطلح المراهقة الإنجليزي إلى العربية لم يُراعِ دلالاته في المفهوم الغربي، التي يُعنى بها مرحلة الانتقال من البلوغ إلى النضج الجنسي، بل تُرجِم من الإنجليزية إلى العربية بشكل حرفي بمعنى السَّفَه والاضطراب، وأقرب معنى عربي هو من الفعل رَهَقَ أي مراهقة، فلم يتحقَّق هنا المقصود من المفهوم، فقد قال الدكتور عبد الوهاب المسيري (رحمه الله) عن هذا: “إن معظم تعاريفنا للظواهر الإنسانية تستند إلى تعريفات الغرب وتجاربه، فنحن نستورد كثيرًا من مصطلحاتنا من الغرب، وهو ما يُبيِّن إيماننا بمركزية الغرب، وعالميته”.
ونحن نوضِّح المقصود من مصطلح المراهقة كي نتجنَّب حدوث أزمة هويَّة عند الإنسان في هذه المرحلة العمرية، حيث يَنتج عن اضطراب وضوح المصطلح، اضطراب في تهيئة الطفل المراهق لمرحلة البلوغ، واضطراب عند الشباب البالغين تباعًا لذلك، لأن الهوية هي مركزية الشخص لفهم ذاته، وتحقيق ذاته بين الأسرة والأصدقاء، وبسبب ضعف الأساليب التربوية للمراهق في الغرب، ثم قمنا بذلك في العالم الإسلامي وأسقطنا حتى التكاليف والحدود الشرعية عنه، جعلنا من المراهق إنسانًا مضطربًا مشوَّه الهوية، وأيضًا مضطرب الهوية الجنسية بسبب التوجُّهات الغربية الحديثة للجنس مثل الشذوذ الجنسي، والسماح لبعض جرائم الجنس، من باب أنها دوافع فطرية حيوانية عند الإنسان!
الفكرة من كتاب دعه فإنه مراهق.. قراءات في تحرير مصطلح المراهقة
حين يتخطَّى الإنسان فترة الطفولة، سريعًا ما نُبرِّر كل تصرُّف أهوج له بأنه مراهق فاتركه! وقد يصل إلى أننا نرفع عنه كل خطأ يقع فيه، احتجاجًا بهذا المصطلح الذي بنسبة كبيرة هو مصطلح غربي منقول لنا دون تنقية منهجية شرعية أو لغوية، لكن السؤال هنا: هل حقيقي أن المُراهق إنسان مضطرب؟ وما مدى صحَّة ذلك؟
هذا ما سنكتشفه في رحاب هذا الكتاب، ويجعلنا نقف ناقدين لهذا المصطلح وهو “المراهقة”، بل يُغير نظرتنا تجاه هذه المرحلة، ويجعلنا متسائلين عن ماهية هذا المصطلح ومعاييره، وأيضًا حرَّر لنا الكاتب بشكل جديد مصطلح المراهقة عند الغرب والعرب، ومرحلة المراهقة في الإسلام، وكيفية تهيئة الطفل للبلوغ.
في هذا الكتاب سنُحرِّر أنفسنا قليلًا من عبء الدراسات الغربية التي فُرِضَت علينا دون تفكير ناقد منا، حتى نأخذ ما يُناسبنا، ونترك ما لا يُناسب مجتمعنا وأفكارنا، وكما قال الدكتور عبد الوهاب المسيري (رحمه الله): “نقوم بنقل أطروحات الغرب بكفاءة غير عادية تبعث على التثاؤب والملل”.
مؤلف كتاب دعه فإنه مراهق.. قراءات في تحرير مصطلح المراهقة
عبد الله الطارقي: باحث في قضايا الطفولة والشباب، ومهتم بأصالة العلوم النفسية من معارف الوحي.
ومن مؤلفاته أيضًا: “من لم يكن مهندسًا فلا يدخل منزلي”.