معايير المصطلحات
معايير المصطلحات
المراحل العمرية في الإسلام والمصطلحات لها دلالات شرعية، وكل مرحلة لها تصنيفها المناسب بإسناد شرعي، وبالتالي لها أحكام شرعية تُناسبها مثل: مسائل الرضاعة، والحضانة، والصلاة والتأديب عليها، والإمامة، والنكاح، وغيرها، لكن المراحل العمرية عند الغرب تُوضع تبعًا لقيم وفلسفة كل عالم، لذا يختلفون في ما بينهم في التوجيهات لكل مرحلة، مثال: أن تصنيف المرحلة العمرية عند بياجيه حسب النمو المعرفي للإنسان، أما عند إريكسون فالنمو تبعًا للنمو الاجتماعي، لذا حين يتم نقل مصطلحات علمية وبخاصةٍ في مجال التربية وعلم النفس، أي تلمس مجتمعًا وقد تتعدَّى حدود ثقافة وديانة أخرى، حينها يجب تنزيلها تبعًا لضوابط محدَّدة، ومن الضوابط التي تقاس عليها المصطلحات العلمية كما جاء في كتاب فقه النوازل: إرجاعها إلى مقاييس اللغة العربية وقواعدها للتأكد من سلامة المفردات وصحَّة الدلالة، وإرجاعها إلى مقاييس الشريعة الإسلامية وقواعدها.
لذا يجب ألا يُقبل بتغيير أو دخول مصطلحات لا تخضع لمقاييس الشريعة، لأنها يجب أن تحمل دلالة للتسمية الشرعية الخاصة بالمرحلة العمرية، وكذلك تقسيمة المرحلة العمرية بما يناسب النصوص الشرعية، كما قال الكاتب “واللفظ الذي لا يوافق الشرع على معناه لا بد من تغييره، كما أنَّ الاسم الذي ارتبط بحكم شرعي لا بد من المحافظة عليه”.
ولو تم التحقُّق من أصل مصطلح المراهقة سنجد أنه حديث عند الغرب، والدليل على ذلك أنه في العصور القديمة إذا بلغ الأولاد الثامنة عشرة من عمرهم بدؤوا المرحلة الرابعة من مراحل الحياة الأثينية، وهي: طفولة وشباب ورجولة وكهولة، كما أن القانون الروماني وضع قانونًا إجباريًّا لزواج الفتاة عند عُمر الثانية عشرة، وللفتى عند الرابعة عشرة، وذكر ديورانت أن سن بلوغ العمل لدى الأولاد في المجتمع النصراني كان هو الثانية عشرة، وسن الرشد القانوني هو السادسة عشرة، كما أثبتت الدراسات التاريخية أن تخصيص مرحلة المراهقة في سن معينة جاء حديثًا بعد الثورة الصناعية الأولى، ولم يكن هناك سن محدَّدة في أوروبا للالتحاق بالمدرسة حتى القرن السابع عشر، وفي القرن الثامن عشر بدأ تخصيص مفهوم جديد لمرحلة المراهقة.
الفكرة من كتاب دعه فإنه مراهق.. قراءات في تحرير مصطلح المراهقة
حين يتخطَّى الإنسان فترة الطفولة، سريعًا ما نُبرِّر كل تصرُّف أهوج له بأنه مراهق فاتركه! وقد يصل إلى أننا نرفع عنه كل خطأ يقع فيه، احتجاجًا بهذا المصطلح الذي بنسبة كبيرة هو مصطلح غربي منقول لنا دون تنقية منهجية شرعية أو لغوية، لكن السؤال هنا: هل حقيقي أن المُراهق إنسان مضطرب؟ وما مدى صحَّة ذلك؟
هذا ما سنكتشفه في رحاب هذا الكتاب، ويجعلنا نقف ناقدين لهذا المصطلح وهو “المراهقة”، بل يُغير نظرتنا تجاه هذه المرحلة، ويجعلنا متسائلين عن ماهية هذا المصطلح ومعاييره، وأيضًا حرَّر لنا الكاتب بشكل جديد مصطلح المراهقة عند الغرب والعرب، ومرحلة المراهقة في الإسلام، وكيفية تهيئة الطفل للبلوغ.
في هذا الكتاب سنُحرِّر أنفسنا قليلًا من عبء الدراسات الغربية التي فُرِضَت علينا دون تفكير ناقد منا، حتى نأخذ ما يُناسبنا، ونترك ما لا يُناسب مجتمعنا وأفكارنا، وكما قال الدكتور عبد الوهاب المسيري (رحمه الله): “نقوم بنقل أطروحات الغرب بكفاءة غير عادية تبعث على التثاؤب والملل”.
مؤلف كتاب دعه فإنه مراهق.. قراءات في تحرير مصطلح المراهقة
عبد الله الطارقي: باحث في قضايا الطفولة والشباب، ومهتم بأصالة العلوم النفسية من معارف الوحي.
ومن مؤلفاته أيضًا: “من لم يكن مهندسًا فلا يدخل منزلي”.