المديح ومفارقات العلاقات الإنسانية
المديح ومفارقات العلاقات الإنسانية
دائمًا وأبدًا إذا اُستخدم شيء في غير موضعه أو زاد عن حده يأتي بنتيجة عكسية، والمديح أو الإطراء هو من أكثر الأمثلة توضيحًا لهذه الحقيقة، فقد يتحول المديح إلى تهديد، فحين يمدح شخصٌ آخرَ فإن ذلك يعني أنه يقيمه ويحكم عليه، وتلقائيًّا يتولد شعور لدى الطرف الآخر بعدم الارتياح، أي إنك عندما تمدح شخصًا ما تدفعه إلى التغيير، والتغيير في حد ذاته يمثل تهديدًا، مثلًا عندما تقول لصديقك: إنك سريع وماهر في الطباعة على الآلة الكاتبة، ألا تود تعلم الكمبيوتر؟ فقد يؤدي هذا المديح إلى إثارة استيائه وخوفه من أن تهتز مكانته لو لم يتحول إلى استخدام الكمبيوتر.
وقد يُفهم المدح بصورة خطأ إذا كان الممدوح أقل منك مركزًا، فقد يشعر أنك تحجمه، وإن كان أغنى منك فقد يشعر أنك تتودد إليه، ويستخدم البعض المديح كتمهيد للصدمة، يبدأ بالثناء ثم النقد واللوم ثم الثناء مرة أخرى، بدعوى الحفاظ على معنويات الآخر، ومع الوقت يكتشف الممدوح هذا الأسلوب ويمل من هذا الثناء المبالغ فيه.
إن العلاقات الإنسانية لا تخضع لقوانين ثابتة، فامتلاكنا معرفة كبيرة عن العلاقات الإنسانية لا يعني ذلك أننا أكثر قدرة على بناء هذه العلاقات؛ فالعلاقات الإنسانية هي المنطقة الحرجة التي لا تسعفنا فيها المهارات الإدارية المتنوعة التي نتعلمها، إذ إن الأثر الذي نولده في المرؤوسين لا ينجم عن الشكل الذي نغلف به أفعالنا، بل عن جوهر أشخاصنا، فمن أسوأ ممارسات الإدارة أن يعطي المديرون الموظفين صورة مغايرة لحقيقتهم.
وهنا يوجه ريتشارد فارسون نصيحتين مهمتين لأي مدير، فالنصيحة الأولى، أنه كلما نجح أسلوبك الإداري حاول أن تستخدم أسلوبًا جديدًا، لأن ما ينجح أسلوبًا ما هو أنه كان وليدَ الموقف ومناسبًا في هذا التوقيت، لذلك وجد حفاوة وتقبلًا من الموظفين، في حين إذا تغير الموقف واُستخدم الأسلوب نفسه، فلا يكون مناسبًا ولا يجد الحفاوة نفسها، وأي أسلوب يفقد فعاليته عندما يكتشف الطرف الآخر أنه مجرد قالب وأنه هو شخصيًّا قيد التجربة.
أما النصيحة الثانية فهي أن المدير الفعال لا يقبض على الزمام، ويعني ذلك أن المدير الحقيقي لا يعول على الهيمنة والسيطرة، لكنه يتعامل مع المواقف أحيانًا كمن يتعلم، وأحيانًا كمن يُعلم، وأحيانًا يجمع بين الاثنين، إذ ليست القوة الحقيقية في سيطرته فقط ولكن في ضعفه أحيانًا، فالإنسان عبارة عن قوة وضعف، والموظفون يريدون أن يقودهم إنسان مثلهم؛ لذلك فإن ضعفك قد يقصر المسافة عليك معهم.
الفكرة من كتاب إدارة المتناقضات
إن القوالب الإدارية الجاهزة لا تعطي أفضل نتيجة دائمًا، وهناك ما هو أبعد من تطبيق هذه الأساليب والطرق وجعل الموظفين فئران تجارب وتجاهل إنسانيتهم وإنسانية المدير.
في هذا الكتاب يتحدث ريتشارد فارسون عن أن هناك الكثير من المتناقضات التي نتعامل معها في كل شيء، عن طريق عرض مجموعة من المتناقضات وكيفية التعامل معها والمرونة، وأن المدير الذكي الفطن هو الذي يتقن التعامل مع هذه المتناقضات في الوقت نفسه.
مؤلف كتاب إدارة المتناقضات
ريتشارد فارسون، دكتور علم نفس أمريكي، وكاتب وباحث في علوم الإدارة.
وُلِدَ في الـ 16 من نوفمبر عام 1926، وتوفي في الـ 13 من يونيو 2017، وكان الرئيس والمدير التنفيذي لمعهد العلوم السلوكية الغربية، الذي شارك في تأسيسه في عام 1958 مع الفيزيائي بول لويد وعالم النفس الاجتماعي وايمان كرو.
له العديد من المؤلفات والكتب، من أهمها: قوة التصميم، وحقوق الميلاد، وإدارة المتناقضات وغيرها.