عن العربية المعاصرة
عن العربية المعاصرة
ظهرت العربية المعاصرة أي العرنجية في القرن التاسع عشر الميلادي أي القرن الثالث عشر الهجري، بعد الحملة الفرنسية على مصر ومع ولاية محمد علي الذي ابتعث الكثيرين إلى بلاد الغرب ليتعلموا فيها، فلما رجعوا علموا الناس وارتقت البلاد حتى سُمي عصره بعصر النهضة الحديثة. وكان قِوام تلك النهضة هو ترجمة الكتب الفِرنجية، وتدريسها للتلاميذ في مصر، وكانت مشكلة الكتب المترجمة أنها أسيرة لقالب النص الفِرَنجيَ تكاد تماثله في أساليبه وتراكيبه ومجازاته وعجمته.
ومع ذلك تظل تراجم ذلك العصر أفضل من تراجم القرن الذي يليه، ومن تراجم عصرنا، لعناية بعض علماء الأزهر بها آنذاك وتهذيبهم لها، ولأن المترجمين نشؤوا على العربية السليمة الفصيحة التي تظهر في كتاباتهم، وإنما كانت مشكلتهم في صنعة الترجمة.
ثم نشأ جيلٌ تعلم في المدارس من الكتب المترجمة وأخذ عربيته منها، ثم كتب بها، فسَرَت العُجمة في الكتب العربية، ومن مصر إلى سائر بلاد العرب، بخاصةٍ بلاد الشام لقربها ووجود المترجمين بها. وصار جُلُّ الناس في عصرنا يكتبون بعرنجيةٍ هجينة مرقعة.
وكثيرٌ من علماء العربية اليوم لا يولون هذا التبدل والتفرنج اهتمامًا كافيًا، وإنما يتجادلون في تعبيراتٍ قليلة، ويقبلون الأساليب الأعجمية ما دامت الألفاظ عربية موافقة للنحو والصرف، وهذا ينزع من اللغة جوهرها ولا يُبقي إلا ظاهرها، ألن نستنكر إذا سمعنا من يقول “حدث الأمر خارجًا عن الأزرق!” وهو تعبير إنجليزي بألفاظ عربية وإعراب سليم! وهذا التعبير كغيره من التعبيرات الدخيلة على لغتنا التي ألِفناها وقبلتها أذواقنا لتكرارها وكثرة ورودها، مثل “يصنع فرقًا” و”يؤلف في حقل الترجمة”…
وأما من يزعم أن تبدل العربية الفصيحة إنما كان لأنها لا تصلح لحاجات العصر، فزعمه غير صحيح، لأن أكثر ما أُحدِث في العرنجية هو في أمور عبر العرب عنها منذ زمن بعيد، وإدخال تعبيراتٍ جديدة وتغليبها بغير حاجة ليس مجرد إضافة وزيادة بل فيه إماتة للأصل العربي. وليست العرنجية تيسيرًا للغة وتقريبًا لها من الناس فاليُسر يأتي من التعود والألفة، ولا يُختلف في تيسير اللغة بترك غريب الألفاظ ودقائق النحو، وإنما المشكلة في عجمة الأساليب المستحدثة وركاكتها. وليس في التجديد على هذا النحوِ جسارةٌ وإحياءٌ للغة، وإنما ذلك في ردها عربية قريبة من عربية القرآن.
الفكرة من كتاب العرنجية.. بلسانٍ عربي هجين
سرت العُجمة في أهل هذا الزمان، واختلطت العربية باللغات الإفرنجية فكانت العرنجية التي يًحدثنا عنها هذا الكتاب؛ مُبيِّنًا لنا معنى العربية الفصيحة وأهميتها، وأسباب تحوِّلها، مع أمثلةٍ تبين العُجمة في أبواب اللغة المختلفة، ومع نصائح لتقويم اللسان وترقية الملكة اللغوية.
مؤلف كتاب العرنجية.. بلسانٍ عربي هجين
أحمد الغامدي: ترجمان سعودي، درس اللغة الإنجليزية في الجامعة، ثم نال الماجستير في الترجمة، ويدرس الدكتوراه.
ومن أعماله: ترجمة كتاب اللقاءات المشرقية في بلاد الشام لمحمد مارماديوك بن بكثال.