عن العربية الفصيحة
عن العربية الفصيحة
كان العرب في أيام عادٍ وثمود يتحدثون بلغةٍ تختلف عن العربية الفصيحة التي نزل بها القرآن، ثم مرت تلك اللغة بأطوار من التحول والتبدل حتى بلغت ذروة الفصاحة والبيان قبل الإسلام بنحو مئة عام، ثم اختار الله أولئك الناس وأنزل كتابه بلغتهم، فرفع بذلك قدر العربية وكرَّمها، وبيَّن لنا بها سبيل عبادته ونحن لم نخلق إلا لعبادته سبحانه.
وكان العرب كلهم آنذاك يتحدثون باللغة نفسها، يفهمها الصغير والكبير والغني والفقير، والاختلافات بينهم يسيرة مثل الاختلافات بين أهل مدينتين متقاربتين في زماننا، كأن يشددوا حرفًا أو ينطقوه بصوت مختلف أو يختلفوا في تسمية آلةٍ، وغير ذلك مما لا يُلتفت إليه.
ثم كثر دخول العجم في الإسلام وكثرت مخالطة العرب لهم، فبدأ انتشار اللحنِ والخطأ في الإعراب وفي استعمال الألفاظ كقول بعضهم “افتحوا سيوفكم” بدلًا من سُلُّوا سيوفكم، وكان ذلك كثيرًا في أهل المدن والحواضر، ثم بدأ أهل العلم يُدوِّنون العربية الفصيحة الصحيحة لحفظها.
وبمرور الزمن وبعد الناس عن عصر الفصاحة وازدياد مخالطتهم للأعاجم تبدلت ألسنتهم وتغيرت، إلا أنهم جميعًا لزموا العربية الفصيحة في كتاباتهم في مختلف العلوم والمجالات، فأبدعوا فيها واستحدثوا أمثالًا وألفاظًا مع الحفاظ على أصل اللسان العربي الذي يربطهم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه ﷺ.وذلك الثبات في العربية ليس جمودًا مذمومًا وإنما ينبغي أن يكون من المحامد التي نفاخر بها، فقبل ألف وأربعمئة سنة يجالس رسول الله ﷺ أصحابه فيحدثهم بحديثٍ نفهمه في يومنا، ويؤلف علماء أعاجم مثل البيروني الخوارزمي كتبًا بالعربية فنفهمها بعد قرون وكذلك كتب أئمة المسلمين في القرون الماضية وغيرها، ولا ينالُ هذا من أخذ بعرنجية هذا الزمان. ولو أن الناس دونوا بالعاميات لما فقِه الناس كتاب الله وحديث رسول الله ﷺ، ولضاع علمٌ كثير، ولما بقيت الأمة جسدًا واحدًا. والفصحى المعاصرة –في رأي الكاتب- أخطر من العاميات، إذ توهم القارئ أنها عربية صحيحة في ظاهر الأمر مع أنها فرنجية أعجمية في حقيقتها، ولذا يدعوها بالعرنجية.
الفكرة من كتاب العرنجية.. بلسانٍ عربي هجين
سرت العُجمة في أهل هذا الزمان، واختلطت العربية باللغات الإفرنجية فكانت العرنجية التي يًحدثنا عنها هذا الكتاب؛ مُبيِّنًا لنا معنى العربية الفصيحة وأهميتها، وأسباب تحوِّلها، مع أمثلةٍ تبين العُجمة في أبواب اللغة المختلفة، ومع نصائح لتقويم اللسان وترقية الملكة اللغوية.
مؤلف كتاب العرنجية.. بلسانٍ عربي هجين
أحمد الغامدي: ترجمان سعودي، درس اللغة الإنجليزية في الجامعة، ثم نال الماجستير في الترجمة، ويدرس الدكتوراه.
ومن أعماله: ترجمة كتاب اللقاءات المشرقية في بلاد الشام لمحمد مارماديوك بن بكثال.