عالم السياسة بين العلماء والإسلاميين
عالم السياسة بين العلماء والإسلاميين
كان النموذج السياسي السائد طوال تاريخ الإسلام عبارة عن اتفاق تعاقدي يختار بموجبه المجتمع الحاكم عن طريق الشورى في مقابل أن يقوم الحاكم بإقامة العدل والولاء للدين، إلا أنه بعد انهيار الوحدة السياسية للعالم الإسلامي، كان العلماء على موعد مع الاختيار بين أمرين كلاهما مُر، وهما: الاستبداد السياسي أو الفوضى، فتم ترجيح كِفَّة الاستبداد السياسي، ومن ثمَّ هاجمت الحركات الإسلامية الحديثة دفاع العلماء عن الدولة العلمانية المستبدَّة، وإضفاء الشرعية على الأنظمة السياسية، ورأوا في الموقف التصالحي الذي اتخذه العلماء من حكَّام المسلمين انحرافًا عن أهم صفة في طبيعة الدين الإسلامي، وهي وقوفه في وجه الظلم السياسي، كما اتهموا العلماء بخيانة القضية الإسلامية بسبب عدم انخراطهم في المجتمع بشكلٍ كافٍ.
بالنظر إلى معظم المتحدثين باسم حركات الإحياء الإسلامي نجد أنهم من غير المتخصِّصين في العلوم الدينية، إذ جاؤوا من الوسط الجامعي أو كانوا ممن خبروا العمل السياسي، ومن ثمَّ أخذوا بيد الإسلام من المسجد والمعهد الديني ليخرجوه إلى الشارع والسوق، وأصبح الإسلاميون يأتون من التراث بقصص معارضة العلماء كابن حنبل ووقوفه في وجه المأمون، وغيره من العلماء، بهدف وصف العلماء المعاصرين بالمرتزقة لدى سلطة مستبدَّة، إلى جانب مسعاهم لإعادة تشكيل عالم السياسة، وقد سوَّغوا دخولهم إلى معترك تشكيل المعتقدات الدينية باستخدامهم حجة غربية مسيحية بروتستانتينية، وهي أن الدين ليس حكرًا على فئة معينة، وبناء على ذلك فإن أي مسلم صغيرًا كان أم كبيرًا يستطيع أن يكون داعية.
وبالنظر إلى مواقف العلماء المعاصرين نجد أن الحكم الذي أصدره الإسلاميون تجاههم كان حكمًا قاسيًا، إذ نجد علماء مصر والأردن وفلسطين وسوريا ولبنان وقفوا في وجه الثقافة العلمانية طيلة القرن العشرين، إذ سعوا إلى تثبيت الحدود التقليدية التي تميِّز بين الرجل والمرأة، وبين أتباع دين وآخر، وبين أنصار طائفة وأخرى، كما مارسوا سلطتهم عن طريق وضع حدًّا فاصلًا بين جماعة المؤمنين وأيَّة جماعة أخرى، فعلى سبيل المثال: تبنَّى الأزهر خطًّا إسلاميًّا واضحًا في تقنين الحياة العامة في مصر في ظل دعم الحكومة لهم خلال السبعينيَّات والثمانينيات والتسعينيات، عندما شغل الشيخ عبد الحليم محمود منصب شيخ الأزهر، ومن بعد الشيخ جاد الحق، كما قام العلماء في العالم العربي بدور فعَّال في دعم الحركات الدينية الوطنية في (أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك) إلى جانب حضورهم في الصراع العربي الإسرائيلي، ودفاعهم عن القيم الإسلامية بوجه عام.
الفكرة من كتاب حرَّاس العقيدة.. العلماء في العصر الحديث
يعرض الكتاب دور العلماء ومكانتهم في فترة ما قبل الحداثة في التاريخ الإسلامي، واصطدامهم بتحدِّيات الحداثة في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وتعامل العلماء مع التداعيات الفكرية والفقهية والاجتماعية والسياسية، ويبيِّن الكاتب أن العلماء كان لهم دور حيوي ومحوري، كما كان لهم حضور ذو تأثير كبير في مناحي الحياة الفكرية والسياسية والسجالات الفكرية، وإسهام كبير في الخطاب العام، ومن ثمَّ لم يكن دورهم هامشيًّا مثلما ذهبت كثير من الدراسات بأن دورهم كان محصورًا في المسجد والمعهد الديني.
مؤلف كتاب حرَّاس العقيدة.. العلماء في العصر الحديث
مير هاتينا: هو محاضر بقسم الدراسات الإسلامية والشرق الأوسطية بالجامعة العبرية بالقدس، صدر له عدَّة كتب، وهي:
الإسلام والخلاص في فلسطين.
سياسة الهوية في الشرق الأوسط: الفكر الليبرالي والتحدِّي الإسلامي في مصر.
العلماء والسياسة والفضاء العام في الشرق: من منظور مصري.
معلومات عن المترجم:
الدكتور محمود عبد الحليم: حاصل على بكالوريوس اللغة الإنجليزية من كلية الألسن جامعة عين شمس، ودبلوم الترجمة التحريرية من كلية الآداب جامعة القاهرة، وحصل على درجة الماجستير في الترجمة الفورية والتحريرية من جامعة عين شمس، ونال درجة الدكتوراه في اللغويات من كلية الألسن جامعة عين شمس، بدأ مشواره المهني في الترجمة مبكرًا بالاشتراك في ترجمة رواية “1984” لجورج أورويل، وصدر له العديد من الكتب بين تأليف وترجمة، ومنها:
المسلمون قادمون.
موسوعة الكتاب العالمي.
مستقبل التعليم العالمي.