حُرَّاس العقيدة في العهدين المملوكي والعثماني
حُرَّاس العقيدة في العهدين المملوكي والعثماني
رغم ما كان يؤخذ على كثير من العلماء، فإنهم كانوا مُجدِّين في طلب العِلم الشرعي، ومن ثمَّ كانوا هم الحُرَّاس على معايير الإسلام دون منازع، ولم يكونوا يتمتَّعون بسلطة سياسية، إلا أن الحكَّام والسلاطين مهما بلغت قوتهم وسطوتهم، لم يتمكَّنوا من ليِّ أعناق نصوص الشريعة حسب أهوائهم دون أن يتعرَّضوا للانتقاد، وفي الحقيقة لم يجرؤ على انتقاد السلاطين إلا قلَّة قليلة من العلماء الذين عارضوا فرض الضرائب الظالمة على الشعب، كما انتقدوا احتكار السلاطين لأمور اقتصادية كتخزين المواد الغذائية للمضاربة فيها، وقد اختلفت مواقف العلماء في علاقتهم بالسلطة، إذ إن القليل منهم من أصحاب الضمير الحيِّ حافظوا على استقلالهم، وكانوا يتخوَّفون من تولِّي مناصب القضاة، لأن السلطة التي يمنحها المنصب، والاقتراب من الحكَّام ومخالطتهم، وإغراء قبول الرِّشا جعل كثيرًا من الفقهاء يحجمون عن قبول هذا المنصب، بينما نجد آخرين ترقَّوا في المناصب الحكومية وكدَّسوا ثروات طائلة، وحازوا نفوذًا لا حدَّ له!
كان المذهب الشافعي هو السائد في مصر والشام في العهد المملوكي، بينما كان المذهب المالكي أقل اتباعًا في بلاد الشام لأن صورته الشائعة أنه مذهب جامد، إلا أنه كان له أتباع كُثر في مصر، ومع ذلك لم يكن يُنظر إلى أهل القضاء والفتيا منهم، لما ذاع عنهم من فتاوى متشدِّدة وأحكام قاسية، أما المذهب الحنبلي فقد كان له أتباع كُثر في بلاد الشام، إلا أنه كاد يختفي من مصر تمامًا، بينما كان المذهب الحنفي يغلب عليه الضعف والوهن في العهد المملوكي، إلا أنه أصبح لاحقًا هو المدرسة الفقهية الرسمية للإمبراطورية العثمانية، وكان كبار القضاة من المدرسة الحنفية حصرًا.
كان المماليك يتكلمون اللغة العربية وكانت دواوين الحكومة باللغة العربية، لكن مع دخول العثمانيين بلاد الشام ومصر، اختلف الوضع تمامًا، إذ وقفت اللغة حاجزًا، فالسلطان والعسكر والدواوين الحكومية وكبار القضاة جميعهم يتحدَّثون التركية، ومع مرور الوقت خفَّت مشكلة حاجز اللغة، إذ تعلَّم القضاة العثمانيون اللغة العربية، ودبَّت الألفة بين العثمانيين والعرب، وقد وصلت منزلة الفقهاء في الإمبراطورية العثمانية إلى مرتبة لم يسبق أن وصلوا إليها في نظم الحكم السابقة، ورغم أنهم كانوا يتلقَّون رواتبهم من الدولة، فإنهم لم يفقدوا استقلالهم، ومن ثمَّ فإن الامتناع عن قبول المناصب الحكومية كالقضاء قد ذهب إلى غير رجعة، والسبب أن الشريعة الإسلامية كانت تحتل منزلة رفيعة عند العثمانيين.
الفكرة من كتاب حرَّاس العقيدة.. العلماء في العصر الحديث
يعرض الكتاب دور العلماء ومكانتهم في فترة ما قبل الحداثة في التاريخ الإسلامي، واصطدامهم بتحدِّيات الحداثة في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وتعامل العلماء مع التداعيات الفكرية والفقهية والاجتماعية والسياسية، ويبيِّن الكاتب أن العلماء كان لهم دور حيوي ومحوري، كما كان لهم حضور ذو تأثير كبير في مناحي الحياة الفكرية والسياسية والسجالات الفكرية، وإسهام كبير في الخطاب العام، ومن ثمَّ لم يكن دورهم هامشيًّا مثلما ذهبت كثير من الدراسات بأن دورهم كان محصورًا في المسجد والمعهد الديني.
مؤلف كتاب حرَّاس العقيدة.. العلماء في العصر الحديث
مير هاتينا: هو محاضر بقسم الدراسات الإسلامية والشرق الأوسطية بالجامعة العبرية بالقدس، صدر له عدَّة كتب، وهي:
الإسلام والخلاص في فلسطين.
سياسة الهوية في الشرق الأوسط: الفكر الليبرالي والتحدِّي الإسلامي في مصر.
العلماء والسياسة والفضاء العام في الشرق: من منظور مصري.
معلومات عن المترجم:
الدكتور محمود عبد الحليم: حاصل على بكالوريوس اللغة الإنجليزية من كلية الألسن جامعة عين شمس، ودبلوم الترجمة التحريرية من كلية الآداب جامعة القاهرة، وحصل على درجة الماجستير في الترجمة الفورية والتحريرية من جامعة عين شمس، ونال درجة الدكتوراه في اللغويات من كلية الألسن جامعة عين شمس، بدأ مشواره المهني في الترجمة مبكرًا بالاشتراك في ترجمة رواية “1984” لجورج أورويل، وصدر له العديد من الكتب بين تأليف وترجمة، ومنها:
المسلمون قادمون.
موسوعة الكتاب العالمي.
مستقبل التعليم العالمي.