وفاة المريض الأول.. ولكن
وفاة المريض الأول.. ولكن
افتُتِحت العيادة أخيرًا، ولم يمر يوم على الافتتاح إلا وقد دخل شيخٌ كبيرٌ في الثمانين من عمره تقريبًا على الطبيب الشاب، وتظهر على تجاعيده علامات المشقَّة وخبرة طويلة من الحرمان، وقد طلب ذلك الشيخ الذي يُدعى عمران أن يأخذ الطبيب إلى ابنه الذي يعاني من مرض والحمى لمدة سبعة أيام.
وصل الطبيب إلى المنزل ليجد شابًّا في الثلاثين ينام على الأرض ومُغطَّى بغطاء مهترئ، ويغوص في مرضٍ شديد بحيث تتداخل أنفاسه مع شهيقه وزفيره لتتقطَّع أحيانًا، فعرف الطبيب أنه مُصاب بالتهاب رئوي مزدوج سيجعل القلب على وشك التوقُّف، وعلى الفور قرَّر إعطاءه بعض المنبهات للقلب، ولم تكن مركَّبات السلفا والبنسلين موجودة في ذلك الحين، وهنا سأله الشيخ الفقير بحزنٍ وترقُّب عن إمكانية وجود أمل، فردَّ عليه أن قدرة الله فوق كل شيء، لكنها مشيئة الله أن يموت ذلك الشاب أمام أبيه، ويغادر الطبيب بعد أن رفض بإلحاح أخذ مقابل، وقد ترك المنزل الفقير جريح العزَّة حزينًا بوفاة أول مريض له، بل أحسَّ أن أهل القرية سيتشاءمون منه ويتحدثون بأمره.
لكن مشيئة الله أيضًا ألا يغرق الطبيب الشاب في أحزانه، فلما كان في طريقه فوجئ بأصوات كثيرة تناديه ليعلم أن هناك طفلًا مريضًا لم يتجاوز الرابعة من عمره في منزل سيد العزبة وكبيرها “الحاج سيد”، وكان الجمع في قلق كبير، إذ إن هذا الطفل وحيد العائلة وحفيد الحاج سيد الذي مات ابنه بعد زواجه ببضعة أيام، وكان الطفل قد جُرِح بمقدم رأسه، فأخذ الطبيب يسعفه ويضمِّد جراحه ثم بدأ بخياطة الجرح بعد أن أخذه إلى عيادته، لكنه فوجئ بأن عظم الجمجمة مكسور، وأن الطفل في حاجة إلى عملية تربنة، وبعد قلق وتفكير قرَّر أخيرًا أن يشرح الوضع للحاج سيد ويخبره أنه في حاجة إلى مساعدة زميل طبيب له من مستشفى القصر العيني، وتحرَّكت سيارة فورًا لتلك المهمة.
الفكرة من كتاب يوميات طبيب في الأرياف
تخرَّج طالب الطب أخيرًا ليكون طبيبًا بحق بعد رحلة طويلة من عناء الدراسة والامتحانات الشاقة، ومن الكتب والتحصيل والمجلدات، ها هو ينتقل أخيرًا إلى الحياة العملية بكل جوانبها، ويحكي صاحب هذا الكتاب رحلته كطبيب في أيامه الأولى عند استلامه العمل في إحدى قرى الريف، فرأى من حلاوة العيش ما رأى، ومن مرارة الحياة أيضًا وصعوبتها ومشاقِّها، ليضع في هذا الكتاب خبرة وعبرة للطبيب الناشئ بشكل خاص، وللجميع عامةً في مواجهة الحياة.
مؤلف كتاب يوميات طبيب في الأرياف
دمرداش أحمد: طبيب ومؤلف مصري، مارس مهنة الطب في بداية حياته في الأرياف واستمر لنحو عشرين عامًا.