الطب قبل الإسلام
الطب قبل الإسلام
لم تكن الحضارة المصرية القديمة حضارة بناء أهرامات فقط، بل كانت حضارة علم وازدهار، وبخاصة في مجال الطب، فقد نبغ الفراعنة في التشريح والتحنيط والجراحة، وظهرت آثار العمليات الجراحية على المومياوات، وأشار هوميروس في الأوديسا إلى مهارة الطب النفسي، كما ذكر هيرودوت أن الملك الفارسي استقدم طبيب عيون من مصر، وساد الاعتقاد بأن المرض روح شريرة تسكن الجسد فارتبطت ممارسة الطب بالمعابد وتولاها الكهنة والسحرة، ودونوا معارفهم على أوراق البردي كبردية “كون” المختصة بأمراض النساء، وبردية “سميث” في الأمراض الجراحية، أما البابليون فيرون أن المرض عقاب إلهي، وكان الساحر والكاهن لا يحاسبان على خطئهما الطبي، بينما يعاقب الجراح العادي بقطع يده إذا أخطأ حسب شريعة حمورابي، واتخذ الطب عندهم أشكالًا ثلاثة: طب وقائي بالنصح، وطب طبيعي بوصف الأدوية النباتية والحيوانية، وطب نفساني بالسحر والطلاسم.
أما الطب الصيني فكان أقل حظًّا من الخرافة والشعوذة؛ واعتمد في الأساس على النباتات العلاجية والوخز بالإبر، فاهتم الصينيون بالتشريح وأسهموا بقدر وافر في الأمراض الباطنة وعرفوا النبض، وكانوا أوَّل من توصل إلى الكي النقطي، وربطوا أنواع الأمراض بفصول السنة والتغيرات المناخية، واشتهر فيهم “واي بويانج”.
وتفوق الهنود القدماء على عالمي زمانهم بالعمليات الجراحية والتجميلية واستعملوا أكثر من مئة آلة جراحية، وعرفوا ترقيع الجلد والتوليد القيصري واستخراج الحصوات، واستعمال الكي والضغط لكف النزيف، ومن أشهر مدوناتهم “أترافا – فيدا” التي اعتمدت على السحر والتعزيم لشفاء الأمراض وجعل الأساليب الدنيوية معاونة لها، مع ملحق “أجو – فيدا” وهو علم إطالة العمر، واعتقد الهنود بأن المرض يرجع إلى فساد في أحد العناصر الأربعة: “الماء والهواء والدم والبلغم”، وكان من أشهر أطباء الهند القديمة “سوشروتا”، و”شاراكا” صاحب موسوعة “سامهيتا” التي ما زال يُعمل بها في الثقافات الهندية.
أما اليونانيون فتميزوا بأن لهم عقلية منطقية، وحسبهم من ذلك “أبقراط” الذي ما زال يحتفظ بلقب “أبو الأطباء”، واتجه الطب الإغريقي اتجاهين: الاعتماد على السحر والكهانة، واتجاه الفلاسفة كأبقراط الذين تعاملوا مع الطب كعلم تجريبي يعتمد على القياس والمشاهدة بعيدًا عن ألاعيب الشياطين، وما زال شعار استيليبيوس “العصا والثعبان” رمزًا إلى الطب، واشتهر اسم جالينوس الطبيب الروماني رغم أن الرومان لم يبدعوا كثيرًا في الطب، أما العرب فكانت وسائلهم الطبية بدائية جدًّا، ويكاد يكون الكيُّ بالنار هو الحل النهائي لما استعصى على الأشربة والمغذيات وإلا فاللجوء للعرَّافين.
الفكرة من كتاب قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية
بلغت الحضارة الإسلامية في عصورها الذهبية مبلغًا أذهل الأعداء قبل الخِلان، وضربت بسهم وافر في شتى المجالات الإنسانية في زمن قياسي، لم تحظَ به أي حضارة أخرى ولا حتى الحضارة الغربية المعاصرة التي طغت منجزاتها المادية على رصيدها الروحي والأخلاقي، وكان التقدم الهائل في العلوم الطبية أحد مظاهر ازدهارها البارزة، والذي كان انطلاقًا دينيًّا في الأساس وتطبيقًا جمعيًّا لما حث عليه الشرع من التداوي وانتقاء الأكفاء لذلك، رغم ما يتبادر إلى الذهن من تعلق الطب بالجسد وحفظ الحياة الدنيا، فقد كان مظهرًا لتحقيق مقاصد الشريعة من حفظ العقل والجسد والنسل والدِّين كذلك.
مؤلف كتاب قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية
راغب السرجاني: طبيب بشري وأستاذ جامعي وكاتب، وداعية إسلامي مهتم بالتاريخ والحضارة، ومؤسس موقع قصة الإسلام، وُلد في المحلة الكبرى بمحافظة الغربية عام 1964، وتخرج في كلية طب قصر العيني، ثم نال درجتي الماجستير والدكتوراه في جراحة المسالك البولية.
أنجز كاتبنا الكثير من المشاريع التاريخية والدعوية، وحاز جوائز كثيرة منها: جائزتا المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وأفضل كتاب مترجم إلى اللغة الإندونيسية.
من أبرز مؤلفاته:
ماذا قدم المسلمون للعالم.
فن التعامل النبوي مع غير المسلمين.
قصة الأندلس من البداية إلى السقوط.