مدرسة شيكاغو وما بعدها
مدرسة شيكاغو وما بعدها
بدأت الحكاية في عام 1977 بعد عامين من زعامة مارغريت تاتشر لبريطانيا، والتي قامت بتطبيق منهج صارم ضد السياسات الاشتراكية التي كانت تتبناها الحكومات قبل صعود حزب المحافظين البريطاني، فالآن تُهمِّش الدولة ويُترَك السوق الحر يعمل وحده دون أي تدخُّل منها، وبهذا تبرز قيمة “المنافسة” كآلية جديدة يتحرَّك بها الإنسان الحديث.
إنها “النيوليبرالية” حيث المنافسة الشرسة بين القطاعات الخاصة والأفراد، حيث المصلحة والمنفعة أولًا قبل شيء، فما من حدود للمدى والقوَّة التي يمكن لمؤسسة رأسمالية الوصول إليها ما دامت تعمل داخل إطار تنافسي، وبذلك كانت قيم الفردانيَّة والتميُّز الفردي في تصاعد مُستمر، فأنت أيها الإنسان ألا تملك الرغبة الكافية؟ ألا تمتلك الروح القتالية بين ضلوعك؟ أيقظ قواك الخفية!
وقد نشأت نتيجة هذه القيم التنافسية أمراض جديدة لم تُعرَف من قبل، فكان أصحاب هذه القيم أكثر اكتئابًا وتوترًا، وأكثر عُرضة للأمراض العقلية وللإدمان!
فها هو الدليل التشخيصي في حُلَّته الجديدة، وقد أُعيد تشكيله ليُناسب أمراض العصر الجديد، فهذا الاضطراب الاكتئابي التنافسي الذي يُحملك مسؤولية فشلك مهما كانت الظروف حولك، أنت من تملك القرار، أنت من تملك القوَّة، وبالتالي عليك أن تكون خارقًا في عملك لتكون “فوق الجميع”، وبهذه الحالة صار الإنسان الحديث مُلزمًا بتحقيق نفع أكبر، وأن تكون أكثر ثراءً، وأكثر نجاحًا، وبالتالي فأي فشل هو مسؤوليتك أنت فقط.. أنت فحسب.
وبالطبع هذه الحالة أظهرت اضطرابًا جديدًا وقتها، وقد عُرِف وقتها بـ”مُتلازمة التكيُّف العام”، أو ما نعرفه نحن الآن بالإجهاد النفسي أو Stress، والإجهاد النفسي ليس إلا رد فعل من أي طلب زائد سواء كان جسديًّا أو نفسيًّا أو اجتماعيًّا.
كذلك التصاعد المُخيف في معدلات الاكتئاب بسبب حالة العوز النسبي، وهي حالة يشعر فيها المرء أنه أقل من غيره مهما امتلك، وبالتالي هو في حالة تنافسية مستمرة.
الفكرة من كتاب صناعة السعادة : كيف باعت لنا الحكومات والشركات الكبرى الرفاهية؟
في عام 2014.. في افتتاحية مؤتمر المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يستقطب أصحاب الأموال، وصُنَّاع القرار، وقادة الدول، لمعالجة القضايا الاقتصادية العالمية، يتقدَّم راهب بوذي في إحدى المُحادثات ليُعلِّم الأعضاء فن الاسترخاء، والاستغراق العقلي.
وفي الحقبة الماضية نرى الترويج المستمر لحركة علم النفس الإيجابي، وكيف يُمكننا أن نشعر بالسعادة خلال الحياة اليومية، ونرى كذلك مُسمًّى وظيفيًّا جديدًا في الشركات “مديري السعادة” هؤلاء الذين ينشرون البهجة، ويساعدون العُمَّال على استعادة حماستهم للعمل.
كل تلك الأمور لا تكفُّ عن ترتيل أن السعادة “خيار” شخصي في عالمنا المجنون، والحقيقة هي أن سعادتك أيُّها الموظف شيء مُهم لأجل زيادة الأرباح، وكل تلك الحيل تجعل السعادة أمرًا يمكننا الاستفادة منه داخل البيئة الرأسمالية لا لأجلك أنت، بل لأجل المال.
ومن هنا يُقدِّم لنا الكاتب كيف تجعل الرأسمالية الحياة بأكملها مُختبرًا تقيس فيه السعادة؟ كيف تصنعها؟ كيف تبيعها؟ وما الظواهر النفسية والجسدية والقيمية الناتجة من الرأسمالية؟
مؤلف كتاب صناعة السعادة : كيف باعت لنا الحكومات والشركات الكبرى الرفاهية؟
ويليام ديفيز: أستاذ علم الاجتماع والاقتصاد السياسي، عمل بالتدريس في جامعة Goldsmiths University بلندن، وقد كتب عددًا من المقالات في بعض المجلات مثل New Left Review وProspect وThe Financial Times، وعمل مُحررًا في Open Democracy Renewal.
من مؤلفاته:
The Limits of Neoliberalism: Authority, Sovereignty and the Logic of Competition.
Nervous States: Democracy and the Decline of Reason.
معلومات عن المُترجم:
مجدي عبدالمجيد خاطر: كاتب ومترجم مصري، نُشرت ترجماته في المركز القومي للترجمة، والهيئة المصرية العامة للكتاب، ودار “أزمنة” في الأردن، ودار “كلمات” بالإمارات، وغيرها من الصحف والمجلات العربيَّة، كما قام بتأليف مجموعة قصصية بعنوان “مجرَّد شكل” في عام 2005.