البداية المفاهيمية
البداية المفاهيمية
كان الفتى جيرمي بنتام صاحب الثمانية عشر عامًا يقرأ في كتاب “مقالة الحكومة” لجوزيف بريستلي المُصلح الديني الإنجليزي، فوقف أمام جملته “إن خير وسعادة الأعضاء، وأعني بهذا أكثرية أعضاء أي دولة، هما المعياران العظيمان اللذان ينبغي أن يتحدَّد بهما كل ما يتعلَّق بتلك الدولة آخر الأمر”، وانطلق بها خلال الأعوام الستين من حياته مُتبنِّيًا تلك الرؤية، وحوَّلها إلى عقيدة قويَّة في مذهب المنفعة!
يقوم مذهب المنفعة على جعل سعادة العشيرة هو المعيار لكل غاية أخلاقية وسياسية، ويُمكننا تحويل هذه النظرية إلى مُعتقد له أدواته وتقنياته ومناهجه ليكون مبدأً مؤسسًا للحُكم.
وبالتالي يكون الهدف السياسي ليس تحقيق القيم الكُبرى كمبدأ العدالة، بل بكُل بساطة الهدف هو تحقيق السعادة، فتكون اللذة والألم معيار كل شيء والقوَّة التي تحكم كل شيء، ويعتقد بنتام أن من المُمكن قياسهما بتدرُّج مُحدَّد، وأن يكون هناك مقياس رقمي عام يُمكننا من خلاله قياس شدة اللذة أو عدمها.
ولأن بنتام كان مُحتقرًا للغة كأداة للتعبير، رأى أن من المُمكن اعتماد نبضات قلب الإنسان والنقود كأداتين نقيس بهما شدَّة الألم واللذة، وبهذا يصبح الكائن البشري حقلًا للمُلاحظة والتجربة كأنه فأر في المُختبر، فإما الاقتصاد أو الفسيولوجيا، إما الدفع أو التشخيص.
يأتي جوستاف فختر الفيلسوف الرياضي بعد بنتام ليُسجِّل انطلاقة جديدة، فقد كان سؤاله دومًا: بأي طريقة يُمكن للرياضيات أن تكون مفيدة في حل مشكلة العقل-الجسم؟ فأسس علم الفيزياء النفسية psychophysics، والذي من خلاله يُمكننا دراسة النفس البشرية من وجهة نظر رياضية، فنضع قانونًا للنفس الإنسانية، أو قانونًا للسعادة كما نضع قانونًا في الفيزياء.
وبهذا كان بنتام وجوستاف قد وضعا الأسس الأولى لتمكين الخُبراء والسُلطات للتنبؤ بما فيه “سعادة” المُجتمع دون أن يسمعوا أصواتهم!
الفكرة من كتاب صناعة السعادة : كيف باعت لنا الحكومات والشركات الكبرى الرفاهية؟
في عام 2014.. في افتتاحية مؤتمر المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يستقطب أصحاب الأموال، وصُنَّاع القرار، وقادة الدول، لمعالجة القضايا الاقتصادية العالمية، يتقدَّم راهب بوذي في إحدى المُحادثات ليُعلِّم الأعضاء فن الاسترخاء، والاستغراق العقلي.
وفي الحقبة الماضية نرى الترويج المستمر لحركة علم النفس الإيجابي، وكيف يُمكننا أن نشعر بالسعادة خلال الحياة اليومية، ونرى كذلك مُسمًّى وظيفيًّا جديدًا في الشركات “مديري السعادة” هؤلاء الذين ينشرون البهجة، ويساعدون العُمَّال على استعادة حماستهم للعمل.
كل تلك الأمور لا تكفُّ عن ترتيل أن السعادة “خيار” شخصي في عالمنا المجنون، والحقيقة هي أن سعادتك أيُّها الموظف شيء مُهم لأجل زيادة الأرباح، وكل تلك الحيل تجعل السعادة أمرًا يمكننا الاستفادة منه داخل البيئة الرأسمالية لا لأجلك أنت، بل لأجل المال.
ومن هنا يُقدِّم لنا الكاتب كيف تجعل الرأسمالية الحياة بأكملها مُختبرًا تقيس فيه السعادة؟ كيف تصنعها؟ كيف تبيعها؟ وما الظواهر النفسية والجسدية والقيمية الناتجة من الرأسمالية؟
مؤلف كتاب صناعة السعادة : كيف باعت لنا الحكومات والشركات الكبرى الرفاهية؟
ويليام ديفيز: أستاذ علم الاجتماع والاقتصاد السياسي، عمل بالتدريس في جامعة Goldsmiths University بلندن، وقد كتب عددًا من المقالات في بعض المجلات مثل New Left Review وProspect وThe Financial Times، وعمل مُحررًا في Open Democracy Renewal.
من مؤلفاته:
The Limits of Neoliberalism: Authority, Sovereignty and the Logic of Competition.
Nervous States: Democracy and the Decline of Reason.
معلومات عن المُترجم:
مجدي عبدالمجيد خاطر: كاتب ومترجم مصري، نُشرت ترجماته في المركز القومي للترجمة، والهيئة المصرية العامة للكتاب، ودار “أزمنة” في الأردن، ودار “كلمات” بالإمارات، وغيرها من الصحف والمجلات العربيَّة، كما قام بتأليف مجموعة قصصية بعنوان “مجرَّد شكل” في عام 2005.