أسرار السعادة
أسرار السعادة
وبعد كل ذلك يتحوَّل السؤال من “أين تقع السعادة بداخل المخ؟” إلى سؤال أفضل هو: “كيف يدعم المخ السعادة؟”، لذا فعليك النظر إلى الأشياء المختلفة التي تجعلنا سعداء، والوقوف على سبب كل منها، وأول هذه الأشياء هي المنزل، حيث يتفق العديد من الناس على مشاعر الارتياح واللذة اللتين تصاحب وصولهم إلى المنزل بعد رحلة شاقة أو يوم عمل طويل، فهل من الممكن أن منازلنا تجعلنا سعداء بطرق مختلفة؟ هل هو مجرد الشعور بانتهاء مهمة أو سلسلة أحداث غير سارة تنتهي بمجرد وصولنا للمنزل؟ كل هذا من منظور علم الأعصاب ليس له أساس من الصحة، كل ما في الأمر أننا نتأقلم بسرعة من الناحية العصبية على الأشياء المألوفة، حيث تتوقَّف الخلايا العصبية عن الاستجابة للإشارات التي تحدث بصورة متكررة وقابلة للتنبُّؤ، فالناس يمكنها حتى اعتياد الصدمات الكهربائية ما دامت متوقَّعة ومعتدلة، وهذا يعني أن المخ يركز فورًا على أي تغيير مفاجئ في الوضع المحيط، ونحن في الأساس نقضي معظم أوقاتنا في بيوتنا، مما يجعلنا نعتقد أنها آخر ما سيستجيب له أمخاخنا، إذًا فلماذا يجعلنا المنزل سعداء؟
المخ وأجهزتنا العصبية تتوقَّف عن الاستجابة للأشياء ما لم تكن مرتبطة بأسباب بيولوجية، فنحن نحتاج إلى الطعام، ونأكله طوال اليوم، لكن هل شعرت أبدًا بأنك مللت من الطعام؟ يمكنك أن تسأم من المعكرونة إذا تناولتها باستمرار لكن عملية الأكل لا تصبح مملة أبدًا، حتى كوب الماء يبدو وكأنه لذة سماوية من عند الله حين تكون عطشًا، فهو احتياج بيولوجي تميِّزه أجسامنا، فتكافئنا بأحاسيس ممتعة حين نحصل عليه، لكن ما علاقة هذا بمنازلنا؟ هل منازلنا ذات أهمية بيولوجية؟ هذا وارد جدًّا، ففي منزلك تُلبَّى كل احتياجاتنا الأساسية مثل الأكل والنوم والدفء، والمنازل في الأساس شيء طبيعي لم يخترعه البشر، إنما توجد في الطبيعة بأشكال مختلفة مثل أعشاش الطيور، وتلات النمل، وجحور الأرانب، وهذا يدل على وجود حاجة بيولوجية عند كل الكائنات يتم إشباعها في المنازل، وتشير الأدلة نحو الإحساس بالأمان.
وليس معنى هذا أن المنزل خالٍ من الضغط، فقد تكون منازلنا مصدر قلق كبير، لكن في أغلب الأحيان يكون ذلك بسبب مشكلات قابلة للحل، أو بسبب أشخاص نعيش معهم، وأيضًا توفير بيئة آمنة له نتائج أخرى مهمة مثل النوم الجيد، الذي يرتبط ارتباطًا قويًّا بالحالة المزاجية.
الفكرة من كتاب المخ السعيد.. العلم الخاص بمصادر السعادة وأسبابها
حاول أغلب العلماء قياس السعادة، ووعدت آلاف المنتجات بها، وقضى أغلب البشر حياتهم في البحث عنها، ويعتبرها البعض شعورًا، والآخر عاطفةً، حسب أفكار كلٍّ منهم ومبادئه، لكن يحاول الكاتب هنا اكتشاف إجابات لبعض الأسئلة الجوهرية فيما يتعلَّق بالسعادة، فما المعنى الفعلي لكوننا سعداء؟ وما مصادر السعادة؟ وهل هنالك سعادة أبدية؟
مؤلف كتاب المخ السعيد.. العلم الخاص بمصادر السعادة وأسبابها
دين برينت : عالم أعصاب، ومحاضر في الطب النفسي، ومؤلف مدوَّنة الجارديان العلمية، وله العديد من المؤلفات، منها:
المخ الأبله.