الحب الاستهلاكي
الحب الاستهلاكي
عندما يدرك المستهلك أن السلع التي اشتراها معيبة أو غير مُرضية، فإنه يمكنه استبدالها، والحصول على سلع أخرى أكثر إرضاءً، وإذا أوفت تلك السلع بوعودها، فليس من المتوقع أن تظل قيد الاستعمال زمنًا طويلًا، ولنا في السيارات الأنيقة الجديدة والحواسيب الآلية والهواتف النقالة الجديدة خير مثال، إذ يُلقى بها في أكوام القمامة من دون أسفٍ ما إن تظهر نسخ جديدة ومعدَّلة منها في المحال التجارية، وليس هناك من سبب يستثني علاقات الحب من هذه القاعدة!
إن علاقات الحب صارت استثمارًا مثل غيرها من الاستثمارات، ولكن هل يخطر ببال المرء أبداً أن يحلف قسم الولاء للأسهم التي اشتراها لتوِّه من السمسار؟ أن يقسم بأن يظل مخلصًا للأبد في السرَّاء والضرَّاء، وفي الشدَّة والرخاء، ويتعهَّد بألا يفترقا حتى الموت؟! إن أوَّل شيء يفعله في الصباح الأذكياء من حملة الأسهم، هو قراءة الصفحات الخاصة بالأسواق المالية في الصحف حتى يعلموا ما إذا كان الأوان قد حان لبيع الأسهم أو الاستمرار في حملها، وهذا الكلام ينطبق على علاقات الحب، فإذا أخطأت، فلن تذوق طعم الراحة، ومن ثمَّ لا بد أن تكون يقظًا على الدوام، والويل كل الويل إذا ما غفوت أو نعست! فالارتباط يعني كثيرًا من الإزعاج، وحالة من اللايقين المستمر، فما من سبيل إلى التأكد التام بما ينبغي أن تفعله، وأن ما فعلته هو الصواب، وأنك فعلته في الوقت المناسب!
إن ما سبق مشكلة، ومشكلة معقَّدة، لكنها ليست المشكلة الكبرى! فالارتباط بعلاقة حب لا معنى لها على المدى الطويل (وبوعي من الطرفين) إنما هو سلاح ذو حدَّين! فالاحتفاظ بالاستثمار أو التفريط فيه مسألة تخضع لحساباتك أنت، ولكن ليس هناك من سبب يفترض أن شريكك في العلاقة لا يرغب إذا اقتضت الضرورة في حرية التصرف هو أيضًا، وبأنه لن يكون حرًّا في فعل ذلك متى شاء! بل إنَّ وعيك بأنه قد يفرِّط فيك في أي وقت يزيد من حالة القلق وحالة اللايقين التي تعانيها، فليس باستطاعتك منع شريكك من اختيار الخروج من الصفقة (علاقة الحب)، فأنت في نظر شريكك الأسهم التي يجب أن يبيعها أو الصفقة الخاسرة التي يجب الانسحاب منها، ولا أحد يستشير الأسهم قبل طرحها مرة أخرى في الأسواق، ولا الصفقات الخاسرة قبل الانسحاب منها!
الفكرة من كتاب الحب السائل.. عن هشاشة العلاقات الإنسانية
المرء يمكن أن يقع في الحب أكثر من مرَّة، وبعض الناس يفتخرون أو يشكون أن الوقوع في الحب والخروج منه يحدث لهم بكل سهولة، وكلنا سمعنا عن أشخاص ميَّالين إلى الوقوع في الحب وقابلين للوقوع فيه، فأهل زمننا يميلون إلى إطلاق كلمة “الحب” على أكثر من تجربة مرُّوا بها في حياتهم، إنهم أُناس لا يملكون أن يجزموا بأنَّ الحب الذي يعيشونه الآن هو الأخير، بل يتوقَّعون المزيد من تجارب الحب، فلا ينبغي أن نُدهش، فلقد انقضى عهد “الحب الرومانتيكي”، القائم على مقولة: “تعاهدنا على ألا يُفرِّقنا إلا الموت”، لقد انتهى تاريخ صلاحية هذا التعريف الرومانتيكي! إذ أصبحنا في عصر تكتنفه هشاشة العلاقات الإنسانية، وصار فن قطع العلاقات مقدمًا على فن بنائها وتكوينها!
مؤلف كتاب الحب السائل.. عن هشاشة العلاقات الإنسانية
زيجمونت باومان: هو عالم اجتماع بولندي، شغل مقعد بروفيسور علم الاجتماع في جامعة ليدز، حصل على العديد من الجوائز، وتقاعد منذ عام 1990، اشتهر بتحليلاته للحداثة وما بعد الحداثة والعولمة والاستهلاكية المادية والنظام الأخلاقي، له أكثر من 70 كتابًا، منها:
الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللايقين.
الحياة السائلة.
الحب السائل.
الشر السائل.
الخوف السائل.
المراقبة السائلة.
الحداثة والهولوكوست.
معلومات عن المترجم:
حجاج علي أبو جبر: هو كاتب ومترجم مصري، يعمل مدرس بقسم النقد الأدبي بأكاديمية الفنون بمصر، درس الأدب الإنجليزي، وحصل على الدكتوراه في النقد الثقافي من جامعة القاهرة، له عدد من المقالات النقدية، ومن ترجماته كتب باومان سالفة الذكر.