تاريخ اكتشاف الجين
تاريخ اكتشاف الجين
لم يَذع صيت “مندل” ولم يدرك العالم هذه النتائج الثورية حتى بداية القرن العشرين، حتى أن ورقته العلمية تم اقتباسها أربع مرات فقط منذ عام 1865 وحتى عام 1900، على الرغم من وجود مساعٍ عديدة لفهم طبيعة هذا المجال وتأثيره بشكل خاص في السياسات العالمية في أوروبا وأمريكا، ومع انتشار التجارب المشابهة لتلك التي قام بها مندل، تم اعتماد النتائج العلمية التي ظهرت في تلك التجارب، كما تم تسمية الجين بالاسم المعروف حاليًّاكمصطلح عام يعبِّر عن الوظيفة التي تقوم بتكوين الصفات الظاهرية وتنظيم الوظائف الحيوية في الكائنات الحية دون أي معلومات إضافية عن تركيب هذه الوحدة الوراثية، وصاحب ظهور الجين ظهور العلم المختص بدراسته: علم الجينات، وبدأ العالم يدرك التأثير الذي يمكن أن تحدثه تلك المعرفة، إذ إن معرفة الوحدة الأساسية لانتقال المعلومات الوراثية يعني أن الإنسان أصبح بإمكانه التدخُّل وإضافة قيود أو تغيير المادة الوراثية المنقولة لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية، ولم يكن التناسل الانتقائي فكرة جديدة على البشر ولكن علم الوراثة منح الفكرة بعدًا أكثر مرونة وقام بتوجيهها لتشمل الإنسان، وهكذا نشأت اليوجينيا وانتشرت في أوروبا وأمريكا، وشرع نظراؤها يروِّجون لفكرة الارتقاء بالنوع البشري عن طريق تشجيع الصفات الصالحة للمجتمع والقضاء على الصفات الفاسدة، وبلغت الحملة أوجَها في ألمانيا في الثلاثينيات مهيِّئةً الفرصة لظهور النازية وحركات الاضطهاد والإخصاء للأقليات والأفراد الأضعف في المجتمع.
وفي ظل تفاقم الأزمات السياسية واشتعال الحرب العالمية الثانية، كانت الحركة العلمية بنشاط تحاول التوصُّل إلى ماهية تلك المادة الوراثية المجهولة حتى ذلك الوقت؛ الجين، وبدراسة الطفرات في أجيال عديدة من حشرة ذباب الفاكهة (كما فعل مندل مع نبات البازلاء) تمكَّن العالم “توماس مورجان” من تحديد عدة خصائص للجينات منها أن الجينات ليست منفصلة بعضها عن بعض بصورة كاملة، بل إن بعض الصفات الجينية تكون مترافقة دائمًا، ما يؤكد أن هناك اتصالًا فيزيائيًّا بين هذه الجينات، وبتتبُّع هذه الصفات تم تحديد موقع الجينات كسلسلة في جزيئات تشبه الخطوط الملفوفة في 23 زوجًا توجد بنواة الخلية تُسمَّى الكروموسومات، كما وجد أنه قد يحدث انفصال لجين من موقعه في أحد الكروموسومات ثم يتبعه تَبَادُل مع جين آخر فيما يعرف بتقاطع المادة الوراثية crossover مسببًا حدوث طفرات، ومع هذه الاكتشافات أصبح ضروريًّا على علم الوراثة أن يجيب عن الأسئلة المتعلقة بتفسير التنوع الجيني الذي لا يمكن أن ينتج عن وحدات جينية منفصلة، وقد أجاب عن هذا الأسئلة عالم الرياضيات “رونالد فيشر” بتوضيح أنه إذا كان هناك مجموعة من الجينات مسؤولة عن صفة ما، فإن التباديل الرياضية بين تلك الجينات يمكنها أن تنتج أشكالًا عديدة تفسِّر هذا التنوُّع.
الفكرة من كتاب الجين: تاريخ حميم
في سبيلنا لفهم أي شيء، فإننا نقوم بتجزئته ودراسة الأجزاء بشكل دقيق، وطبيعة الأحياء لا تمثِّل أي استثناء لهذه القاعدة، فكما تمثِّل الذرة الوحدة الأساسية لعلم الكيمياء، فإن الجين يمثِّل وحدة البناء الأساسية لعلم الأحياء الحديث، وهو يوفِّر مجموعة من المبادئ التي تفسِّر طبيعة الحياة على المستوى الخلوي المحدود وكذلك المستوى التاريخي الواسع، ويسرد سيدهارتا السيرة الذاتية للجين كعضو جديد في تاريخ البشرية، لم يظهر منذ بعيد على الساحة العلمية ولا يزال خاضعًا للدراسة، إلا أن آثار معرفته تجاوزت الحدود الطبيعية للعلوم وصنعت أحداثًا اجتماعية وسياسية لا تُمحَى، وفي هذا الكتاب يشرح الكاتب الرحلة العلمية للجين من فكرة مجردة تحوَّلت بالبحث والتجربة إلى حقيقة علمية ذات خصائص دقيقة يمكنها أن تمتثل للدراسة والتعديل، موضحًا تأثيرها في الإنسان في جميع نواحي الحياة.
مؤلف كتاب الجين: تاريخ حميم
سيدهارتا موكرجي: هو عالم أحياء هندي أمريكي وباحث في مجال السرطانات، تتعلَّق أبحاثه بفسيولوجيا الخلايا السرطانية، والعلاج المناعي لسرطانات الدم، واكتشاف الخلايا الجذعية المكوَّنة للعظام والغضاريف في الهيكل العظمي للفقاريات، وقد درس سيدهارتا علم الأحياء بجامعة ستانفورد، وحصل على دكتوراه في الطب من جامعة هارفارد، كما أنه كاتب عمود في مجلة النيويورك تايمز ومؤلف كتاب “إمبراطور الأمراض: سيرة ذاتية للسرطان” الصادر سنة 2010، الذي فاز بجوائز أدبية بارزة، ويهدف سيدهارتا من خلال كتاباته إلى مشاركة الطبيعة المميزة لعلم الأحياء وتاريخه المليء بالأحداث مع القراء.
معلومات عن المترجِم:
إيهاب عبد الحميد: كاتب ومترجم مصري، تخرج في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها في كلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم أجرى دراسات حرة في مجال الترجمة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ومن ترجماته: “عدَّاء الطائرة
الورقية”، و”ألف شمس ساطعة”، و”الإنفلونزا العظمى”.