عن البناء النفسي للطفل السوي
عن البناء النفسي للطفل السوي
إن أحد أكثر الأخطاء التربوية شيوعًا هو عدم وعينا بأن التربية عملية تهذيب مستمر، تبدأ منذ اللحظة الأولى لميلاد الطفل وتستمر طوال عمره، والفشل في بناء مرحلة أولى جيدة يستتبع بناءً غير مكتمل النمو، فالأب الذي يهمل التعامل مع صغيره في سنينه الأولى لا يتوقع أبدًا أن تكون العلاقة بينهما حيوية وفعَّالة في فترة المراهقة.
لذلك على الآباء أن يحرصوا في السنوات الأولى على إقامة بناء تربوي متين، كما يجب أن يهتموا ببعض النقاط الحيوية التي تلعب دورًا كبيرًا في تكوين شخصية أبنائهم، وإرواء متطلَّباتهم النفسية والشعورية، والتي منها: حرية التعبير، فالأطفال الذين يسمح لهم ذووهم بالتعبير عن مشاعرهم؛ تكون حياتهم الاجتماعية أكثر عمقًا وتكون ثقتهم بأنفسهم عالية، وفي المقابل نجد أن الطفل الذي يكبته ذووه ويمنعونه من التعبير عن مشاعره؛ يكون أكثر عزلة وميلًا إلى الاصطدام مع المجتمع.
أنا لا أشكِّك في مخزون الحب الذي يحمله كل مربٍّ منا تجاه أبنائه، لكن المشكلة الحقيقية تنبع من كوننا لا نتقن التعبير عن مشاعرنا تجاه أبنائنا، فالصراخ الذي لا ينقطع، والتهديد بالعقاب عند أول هفوة أو خطأ يعطي انطباعًا لدى الطفل بأننا في حالة تربُّص دائمة به.
وتتكوَّن لدى الطفل معايير القبول والرفض حسبما يرى ويتعايش مع والديه فنراه يستحسن ما يستحسنانه ويستقبح ما يستقبحانه، فعندما نتحدَّث مع أبنائنا أن هذا لا يجوز لأنه لا يرضي الله الذي خلقنا وأطعمنا وحبانا بكل هذه النعم فنحن نعلو ببنائه النفسي إيجابيًّا، وعلى النقيض من ذلك أن يرى مثلًا أباه مؤكدًا أن الصورة الاجتماعية لا صورته أمام الله هي التي تحكم تصرُّفاتنا وخطواتنا، فإن هذه الأشياء تصنع فارقًا خطيرًا في البناء النفسي للطفل، وتكوين ضميره، ومن أخطر ما يؤثر في البنيان النفسي كذلك هو مستوى التوافق أو الخلاف الزوجي، فالمشكلات الزوجية تزعزع كثيرًا من شعور الطفل بالأمان، وربما أصابته بأمراض نفسية، ومن الأمور التي يجب أن نعلمها لأبنائنا مفهوم كظم الغيظ، وأن يعتذر إذا ما أخطأ بأن يرى هذا السلوك في والديه قبل أي شيء، وأن يحين التعبير عن مشاعره، سواء الإيجابية منها والسلبية فيعبِّر عن فرحه وحبه وخوفه وقلقه أو حزنه.
ومن المهم كذلك أن نظهر تقبُّلنا لأطفالنا على جميع أحوالهم، فطاعة الأوامر أو خرقها له ثوابه وعقابه لكن هذا الثواب والعقاب لا دخل له بالحب أو القبول.
الفكرة من كتاب الآن فهمتكم
تتفكَّك الأسر حينما يضل المربي- أبًا كان أو أمًّا- طريق التربية الرشيدة، ولا ينتبه أن إنشاء الأبناء وتربيتهم مسؤولية عظيمة، وأنها درب من دروب الجهاد والتقرُّب إلى الله.
“الآن فهمتكم” يبثُّ فيه كاتبه خلاصة تجربته العملية في التربية الإيجابية، ويوضِّح فيه أن المربي الذكي هو الذي يصنع مع أبنائه مساحة من الفهم والتوافق والاحترام، وهو الذي يتعهَّد أبناءه ويراقب سلوكهم، وينصح لهم ويتفاعل مع مشاكلهم، وهو الذي يصنع مساحة من الهيبة والاحترام بينه وبين أبنائه، معًا في هذا الكتاب سنتعرَّف على البناء النفسي للطفل السوي، وكيف ننمِّي ذكاء الطفل العاطفي ومهاراته، وكيف نصنع منه رجلًا.
مؤلف كتاب الآن فهمتكم
كريم الشاذلي: كاتب مصري، ومحاضر في مجال التنمية البشرية ومختص في مجال التنمية البشرية ومختص في فنون تربية الأبناء، ولد عام 1979 في محافظة الدقهلية، له عدة مؤلفات وكتب كثيرة عن الأسرة والزواج، والعلوم الإنسانية ومهارات التواصل الاجتماعي، والتطوير الذاتي والاجتماعي، منها: “جرعات من الحب”، و”سحابة صيف”، و”لم يخبرونا بهذا قبل أن نتزوج”، و”الشخصية الساحرة”، و”اصنع لنفسك ماركة”، و”الهزيمة”، و”امرأة من طراز خاص”.