يا حسرة على العباد
يا حسرة على العباد
ستذهب إلى الله عاريًا تمامًا كما ولدتك أمك، ستذهب إليه بصحيفة أعمالك وستقرؤها بنفسك، ولكنك أعددت نفسك للقاء آخر مكثت فيه في تيه وغفلة وضياع… يا مسكين شبابك أفنيته في معاصٍ وكبائر؛ الفرق بينك وبين الحيوانات أنها تمارس حقها الطبيعي بينما أنت تخترق القانون الذي وضع لك تحت مسمى العادي والطبيعي وتدوس عليه.
ستشرق الشمس من مشرقها وتغرب من مغربها، كل شيء بإحكام، ولكن النفس اللوامة تجلد الذات طيلة سبعة عشر عامًا وأنت تمضي في معصيتك، ما الفائدة من اللوم إذًا؟ خدعوك فقالوا إن الأمر ممتع؟ ولم ترَ آثار السلاسل على عنقك، وآثار السياط على ظهرك، وآيات الله في قلبك؟ تجاهلت صوت النحيب الذي دفعك إلى الصلاة من نفسك رغبة في إنقاذك من السقوط؟ أرغبت في التوبة حقًّا وبكيت ولكن أصحابك أسروك بكلامهم المعسول؟ تربَّصوا بك حقًّا؟ الرائحة التي تفوح من جلدك وجسدك الميت لن تغطيها العطور ولن يمحوها أنواع الصابون وكثرة الاغتسال، ولن تكفيك المياه الموجود على سطح الأرض ولن تزيل آثار الجنابة.
أتعلم شيئًا؟ بدمعة صادقة فقط من قلبك تعيدك طاهرًا، دمعة توبة صادقة تنزل على قلب ميت من أثر المعصية فيندم ويعقد العزم على عدم الرجوع إلى حياة التيه، إلى حياة السبعة عشر عامًا من زهرة شبابك، أنت لا تعلم هل كان سقوطك بطيئًا أم أن النزول إلى الهاوية عميق؟
مثلما بدأت سنوات التيه في يوم من السنة انتهت أيضًا في يوم ما من شهر ما من من سنة ما، ليبدأ عطر التوبة يفوح منيرًا الوجه ومغيرًا الشكل تمامًا فتحسُّ بحلاوة الإيمان وقلبك يدقُّ عائدًا إلى فطرته السليمة وإلى صراطه المستقيم… شتان بين الماضي والحاضر.
ينزل الله في كل ليلة من ليالي السبعة عشر عامًا في الثلث الأخير من الليل لعباده مجيبًا لمن يسأله ويدعوه، غفورًالمن يستغفره، يتودَّد إلينا بنعمه ويتبغَّض إليه بالمعاصي قد تملُّ أنت وهو لا يكلُّ ولا يملُّ (سبحانه وتعالى)، رحيمًا بنا لا يغلق أبوابه أمام عباده وإن تعاظمت ذنوبهم، ولا يرد عبدًا تائبًا وراجعًا إليه.
الفكرة من كتاب يوم.. شهر.. سنة
يمتلك الإنسان ذكريات قد ينساها تارة ويتذكرها تارة أخرى، والبعض منها لها تفاصيل في نفسه مؤلمة للغاية كلما رجع أو تطرَّق إليها لها بصمة خاصة ملعونة لا تفارق صاحبها كالقرين تذبحه وتلاحقه، وتخرجه عن طوره الطبيعي؛ تذهب إليه وتتملَّك منه وإن ابتعد عنها، كم هي مؤلمة هذه الذاكرة!
مؤلف كتاب يوم.. شهر.. سنة
أحمد خيري العمري: كاتب وطبيب أسنان عراقي ولد في بغداد عام 1970، ويعود نسب أسرته إلى الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، كما أنه تأثر بفكر مالك بن نبي.
ومن مؤلفاته: “ليلة سقوط بغداد”، و”ألواح ودسر”، و”طوفان محمد”، و”شيفرة بلال”.