خيط رفيع
خيط رفيع
يشعر الكاتب بحزن يخيِّم عليه كلما مرَّ من أمام مدرسة صاحبة وبيته القديم يراوده شعور بالذنب لعدم استطاعته إنقاذه قبل أن يقع، أن يمنعه من فعلته، ولكنه وقف يتفرج فقط دون التقدم بخطوة واحدة منتظرًا دوره حتى يلحق بصاحبة وأقاربه الذين سقطوا في الهاوية، لكنه استعصم بنور الهداية لم تزل قدماه بعد، لم يكن يدرك في ذلك الوقت الحقيقة الكافية،والعقاب المنتظر، لأنه ضل طريقه في ربيع شبابه واكتفى بمشهد المتفرج.
وفي فترة الثمانينيات من عمره تذكَّر وهو يقلب بين ذكرياته العذبة وبراءة طفولته وبساطة الأشياء ونقاءها كالخير والشر تمامًا ومعرفته للحياة على حقيقتها لحظة زلة قدم صاحبه ورغم مرور الزمان وتغير الأشياء من حوله فإنه تمادى في المعصية بأشكال شتى غير مكترث للآخرة لم يدرك أنه يغوص تباعًا في تلك الهوة العميقة وتكون نهايتها معروفة، مضى يتلذَّذ ويستمتع مع أقرانه الذين جرُّوه من عنقه بالسلاسل والأغلال أوهموه أنه أمر طبيعي لا حرج عليه إن فعلها ولو لمرة واحدة لم يدرك حينها أن من يهن عليه مرة يسهل عليه الهوان مرات.
فيشعر بألم شديد يضربه، لسعة السياط على ظهره كأنه هو لأنه يعرف جيدًا يعرف نقاء سريرته وصفاء فطرته وأصالة معدنه الذين بقوا كما هم رغم كل تلك العتمة وكل ما يفعله من كبائر معاصٍ لم تطغَ عليهم رغم مرور أعوام كثيرة مضت أيام تثبت أن الصحيح لا يصح دائمًا ربما يسقط ثم يتوب ربما يسقط ثم ينوع ويتلذَّذ بمعاصيه.
فأبونا آدم (عليه السلام) سقط رغم فطرته السليمة وسريرته النقية، سقوطًا لم يمنعه منه أحد ينل من حظه الصالح والصادق والمؤمن لا يستثنى منه أحد قد ينتهي بهم المطاف إلى الدرك الأسفل من النار أو الفوز بالجنة إن تاب والفائز من يتوب.
الفكرة من كتاب يوم.. شهر.. سنة
يمتلك الإنسان ذكريات قد ينساها تارة ويتذكرها تارة أخرى، والبعض منها لها تفاصيل في نفسه مؤلمة للغاية كلما رجع أو تطرَّق إليها لها بصمة خاصة ملعونة لا تفارق صاحبها كالقرين تذبحه وتلاحقه، وتخرجه عن طوره الطبيعي؛ تذهب إليه وتتملَّك منه وإن ابتعد عنها، كم هي مؤلمة هذه الذاكرة!
مؤلف كتاب يوم.. شهر.. سنة
أحمد خيري العمري: كاتب وطبيب أسنان عراقي ولد في بغداد عام 1970، ويعود نسب أسرته إلى الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، كما أنه تأثر بفكر مالك بن نبي.
ومن مؤلفاته: “ليلة سقوط بغداد”، و”ألواح ودسر”، و”طوفان محمد”، و”شيفرة بلال”.