معاني الرجولة في القرآن
معاني الرجولة في القرآن
إن القُرآن الكريم هو المنهج الذي ارتضاه الله (عز وجل) لعباده، وكان جيل الصحابة هو الجيل المُتحرِّك بهذا النهج الربَّاني، ولهذا كان من الضروري العودة إلى كتاب الله (عز وجل) لتلقِّي المعاني التي تلقَّاها الصحابة (رضوان الله عليهم) ومن تلك المعاني “الرجولة”.
فلو تتبَّعنا كلمة “رجل” في القرآن نجدها تخدم معاني عدَّة، فإذا ذُكرت بأصلها اللغوي قُصد بها معنى الذكر الذي هو عكس الأنثى، كما في قوله تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾.
وإذا ذُكرت الكلمة في موطن يجاوز معناها هذا الأصل نجدها مقرونةً بالإجلال والتقدير، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾.
وفي مواطن أُخرى نجدها مقرونة بأوصاف مذمومة لكن تكون على ألسنة المنسوبين إلى الباطل، مثلما قال الظالمون من قوم نوحٍ (عليه السلام): ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ﴾، وفي هذا القسم دلالة خفيّة على تكريم للرجل كامل الرجولية، إذ لا يُذم إلا من قِبل المارقين الجاهلين.
ولهذا لا بد أن نُفرق بين الرجولة والذكورة، فالذكورة مدلولها بيان جنس ونوع، أما الرجولة فهي بيان حقيقة وكيف، فليس كل ذكر رجلًا، وإنما الرجولة كلمة ذات وقعٍ، وموقف إنساني متجذِّر من تعاليم الإسلام.
فالرجولة من أظهر معانيها اتصاف الإنسان بما يوصف به الرجال من تحمُّل الأعباء الثقال، لذا كان الأنبياء أعظم الرجال وأكملهم لتحمِّلهم أعباء الرسالة: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا﴾، ومن ذلك صدق الرجل فيما عاهد الله عليه: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾، وكذلك الرجال الذين لا تشغلهم الدُنيا عن ذكر الله: ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾.
الفكرة من كتاب معالم الرجولة في القرآن الكريم
خلال التغيُّرات الثقافية التي تتعرَّض لها المجتمعات تبرُز قيم وتختفي أُخرى، وقد يكون من تلك القيم التي بدأت في الاندثار قيم لا تصلح المجتمعات إلا بها؛ قيم مركزية لها أصالتها ووزنها الحقيقي في السواء المجتمعي وصلاحه.
ومن بين تلك المعالم والأخلاق الإسلامية؛ الرجولية، هذه الصفة الجامعة لمعاني العزَّة والاحترام والأداء العميق للواجبات وتحمُّل أعباء الحياة، هذه الصفة التي لا يكون بها صلاح الفرد والمجتمع فحسب، بل تكون بها عزَّته، وصار ذا منعة وبأس، لذا كان لا بد أن نُعيد فهمنا لهذه الخصلة العظيمة، لنُعيد إحياءها بشكل بارز في مجتمعاتنا الإسلامية.
في كتابنا يُقدِّم لنا بحثًا شاملًا عن معاني الرجولة في القرآن الكريم، وذلك بتتبُّعه للآيات التي ذُكر فيها كلمة “رجل” وما يتصل بها، ليُقدِّم لنا نتيجة بحثه في معاني الرجولة في القرآن الكريم.
مؤلف كتاب معالم الرجولة في القرآن الكريم
عبدالكريم صالح: وُلد عام 1956م بمصر، يعمل حاليًّا أستاذ التفسير وعلوم القُرآن بكلية القرآن الكريم ورئيس لجنة مراجعة المصحف الشريف بالأزهر، له عدد من البحوث والمؤلفات منها:
إشراقات في توجيه ومعاني القراءات.
مناسبة أوائل السور بأواخرها.
يوم الفرقان في ضوء القرآن.