وزن الرجولة
وزن الرجولة
في جمعٍ طيِّب لصحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم)، يطلب عُمر بن الخطاب (رضي الله عنه) من كل صحابي أن يذكر أعظم شيء يتمنَّاه، فذكر أحدهم أنه يتمنَّى مثل أحدهم ذهبًا ينفقه كله في سبيل الله، وذكر الآخر أن يكون ملء المدينة خيلًا يغزو بها في سبيل، وأخذ كل منهم يتمنَّى، ثم سألوه: ماذا تتمنَّى يا أمير المؤمنين؟ فقال (رضي الله عنه): أتمنَّى ملء هذا المسجد رجالًا أمثال أبي بكر الصديق!
وهو عُمر بن الخطَّاب الذي دعا النبي (صلى الله عليه وسلَّم) قبل إسلامه: “اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك”، فأسلم عمر بن الخطَّاب (رضي الله عنه)، فقد كان بداية فجر هذه الأمَّة ببروز رجالها وتخلُّقهم بخلق الرجولية، وأعظم من تحلَّى بهذا الخلق هو سيد الخلق نبينا مُحمد (صلى الله عليه وسلَّم).
وليست معيار الرجولية معايير سطحية تتمثَّل في العضلات المفتولة والمواصفات الجسمية، وغيرها، بل هي كلمة أصلها الامتثال بما جاء به النبي (صلى الله عليه وسلم)، لها تكاليفها وتبعاتها، لا ميوعة فيها ولا تخنُّث.
ولو توقَّفنا قليلًا لنفهم معنى “الرُجولة” في اللغة، وجدنا عددًا من المعاني منها: الذكر بخلاف المرأة، أو الرجل فوق الغُلام وقيل قد لا يكون لها علاقة بالعُمر، بل قد يكون الغلام رجلًا بخصاله، وحينما نقول أرجل الرجلين: أي أشدهما، والرجيل: الرأي الصلب، أو نقول ترجَّل النهار: أي قوي ضياؤه واشتد.
لذا نستطيع القول إن كلمة الرجولة تجمع عددًا من صفات القوَّة والشرف والكرم وحسن الخُلق، أو كما أجاب النيسابوري حين سُئل: من هم الرجال؟ فأجاب: القائمون مع الله تعالى بوفاء العهد ثم تلا: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾.
الفكرة من كتاب معالم الرجولة في القرآن الكريم
خلال التغيُّرات الثقافية التي تتعرَّض لها المجتمعات تبرُز قيم وتختفي أُخرى، وقد يكون من تلك القيم التي بدأت في الاندثار قيم لا تصلح المجتمعات إلا بها؛ قيم مركزية لها أصالتها ووزنها الحقيقي في السواء المجتمعي وصلاحه.
ومن بين تلك المعالم والأخلاق الإسلامية؛ الرجولية، هذه الصفة الجامعة لمعاني العزَّة والاحترام والأداء العميق للواجبات وتحمُّل أعباء الحياة، هذه الصفة التي لا يكون بها صلاح الفرد والمجتمع فحسب، بل تكون بها عزَّته، وصار ذا منعة وبأس، لذا كان لا بد أن نُعيد فهمنا لهذه الخصلة العظيمة، لنُعيد إحياءها بشكل بارز في مجتمعاتنا الإسلامية.
في كتابنا يُقدِّم لنا بحثًا شاملًا عن معاني الرجولة في القرآن الكريم، وذلك بتتبُّعه للآيات التي ذُكر فيها كلمة “رجل” وما يتصل بها، ليُقدِّم لنا نتيجة بحثه في معاني الرجولة في القرآن الكريم.
مؤلف كتاب معالم الرجولة في القرآن الكريم
عبدالكريم صالح: وُلد عام 1956م بمصر، يعمل حاليًّا أستاذ التفسير وعلوم القُرآن بكلية القرآن الكريم ورئيس لجنة مراجعة المصحف الشريف بالأزهر، له عدد من البحوث والمؤلفات منها:
إشراقات في توجيه ومعاني القراءات.
مناسبة أوائل السور بأواخرها.
يوم الفرقان في ضوء القرآن.