لماذا بلال؟
لماذا بلال؟
بالحديث عن إسلام بلال، فلعلَّ ما أعطى بلالًا هذه المكانة الكبرى هو صدق إسلامه الذي لم يشُبْه أي شائبة ولا شك، ولقد تعرض بلال (رضي الله عنه) لما لا يتحمله بشر من التعذيب، ولم يعطِ معذِّبيه كلمةً ترضيهم، فما قال سوى “أحدٌ أحد”، حتى أن أمية بن خلف كان ينتظر منه كلمةً حتى يرتاح هو من تعذيبه لا العكس، وضُرِب بلالٌ وأُلقي على الرمال الكاوية ثم وضعت الحجارة على صدره، إلا أن كل ذلك لم يمنعه.
ولقد كانت الكلمة الوحيدة التي كانت على لسانه “أحدٌ أحد”، فقد لخَّص بها فضلَ الدِّين الجديد، فلم يقُل لفظ “الرحيم” مثلًا ولو قاله لجاز أن يُقال إن أحد المعبودات الوثنية تتِّصف بالرَّحمة، أو لعل الرَّحمة جاءته من معذبيه، لكنه لجأ إلى كلمة هُدِي بها إلى الصِّفة التي لم يدَّعِها المُدَّعون لأرباب الجاهلية، الصِّفة التي تجعل الإيمان صادقًا وليس انتظارًا لرحمة أو جزاء.
ولعلَّنا نكتفي بما قاله الفاروق عمر عنه: “أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا”، وقد اتَّصف بلالٌ بأمانته، كما اتصف ببعض القسوة والعناد لكنها كانت في موضعها، وعُرف عنه حبه الشديد وإخلاصه لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ومن الطَّريف أنه كانت له زوجة وفية بارَّة، لكن كعادة أمور الزواج لم تكن تخليه من المناكفة، وهذا بلال كان يقبل منها ما يسر ويسوء إلا أن تمسَّ أمرًا واحدًا وهو إخلاصه للنبي الكريم، حتى أنها مرة استعظمت ما يحدثها به عن النبي فإذا ببلال يغضب ويدع المنزل حتى رآه النبي، ولم يُرِد النبي أن يتركه، بل ذهب معه إلى بيته وقال لزوجته: “ما حدَّثك عني بلالٌ فقد صدق، بلال لا يكذب، فلا تُغضبي بلالًا”.
الفكرة من كتاب داعي السماء.. بلال بن رباح “مؤذن الرسول”
لكلِّ صحابيٍّ جليلٍ قصته في إسلامه التي جعلته رمزًا للمسلمين، لكن بلال (رضي الله عنه) كان أمره مختلفًا، ولعلَّ ما قد قوي به بعض الصحابة هو قبيلتهم التي لم تكن ترضى استباحة دمهم ولو تركوا الوثنية واتجهوا إلى الإسلام، لكن بلالًا لم يكن له أحد، بلى ولكن كان معه الواحد الأحد.
أراد العقاد أن يختلف هذا الكتاب عن سلسلة العبقريات، فخصَّصه لدراسة متعمِّقة في العنصرية وتاريخها وبشكل خاص الجنس الأسود “الزنجي”، وذلك قبل أن يبدأ في تاريخ هذا الصحابيِّ الجليل الذي صاحَبَ النبيَّ في كل خطوةٍ، وكانت آخر كلماته “غدًا نلقى الأحبة”.
مؤلف كتاب داعي السماء.. بلال بن رباح “مؤذن الرسول”
عباس محمود العقاد: هو أديب ومفكر وشاعر مصري، وعضو سابق في مجلس النواب بمصر، يُعتبر أحد أبرز كُتَّاب القرن العشرين في مصر، وأحد الموسوعيين الذين قرأوا في مختلف العلوم الإنسانية، كما أثرى المكتبة العربية بأكثر من مائة كتاب في مجالات متنوِّعة، ومن أهم مؤلفاته:
سلسلة العبقريات.
هتلر في الميزان.
التفكير فريضة إسلامية.