لماذا يتباطأ النمو الاقتصادي ؟
لماذا يتباطأ النمو الاقتصادي ؟
بعد رفع الحظر عن البترول بواسطة اتحاد الدول المصدرة للبترول OPEC عام 1974، بدأ العالم يعاني حالة من الركود الاقتصادي تبعتها حالة من التضخم، ثم تباطُؤ في النمو الاقتصادي الذي استمر منذ حينها، الاعتقاد الشائع هو أن سبب تسارُع النمو الاقتصادي سابقًا كان طفرة في الإنتاجية بسبب ارتفاع مستوى التعليم وزيادة رأس المال، إلى جانب ما يطلق عليه علماء الاقتصاد ب”الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج” TFP وهي فائض الإنتاجية الذي لا يمكن تفسيره بمصادر الاستثمار الأساسية، مثل رأس المال والعمالة البشرية، وتبعًا لنموذج عالم الاقتصاد “روبرت سولو” فإن انخفاض معدل النمو الاقتصادي في الدول الغنية يمكن تفسيره بنظرية “تناقص العائدات” diminishing returns، إذ إنه كلما زاد رأس المال ارتفعت الإنتاجية وازداد العائد الاقتصادي، حتى يصل إلى حد أقصى لا يمكن بعده الاستفادة من هذه الزيادة، لتفوقها على العمالة البشرية اللازمة لتشغيله، فيصل الاقتصاد إلى حالة من الركود، وهذا يفسر التباطؤ الحالي في النمو الاقتصادي للصين بعد القفزة الهائلة في العقود الماضية، ولكنه لا يفسر التباطؤ في الدول النامية التي تمتلك المقومات اللازمة لتحقيق عوائد اقتصادية ضخمة، ويرى عالم الاقتصاد “بول رومر” أن التكنولوجيا والابتكار جنبًا إلى جنب مع السياسات الاقتصادية المشجعة للاستثمار تكفي لدفع الدول الفقيرة إلى النمو، وأن التكتلات الاقتصادية التي ذكرناها سابقًا يمكنها تقديم الحل، ومن ثم يجب أن يتدفق رأس المال للاستثمار بها، ولكن هناك أزمة أخرى تواجه هذه الدول وهي سوء إدارة المصادر الذي يتسبب في إهدار فرص الاستثمار الجيدة، وعلى الرغم من تعدد النظريات والمحاولات الأكاديمية لتوضيح الدوافع الرئيسة للنمو الاقتصادي، فإن الأمر يظل معقدًا لأسباب عديدة، منها اختلاف الظروف والتكوينات الاجتماعية بين الدول، وأيضًا لأن كل شيء على النطاق المحلي هو نتاج أشياء أخرى، واستنتاج المسببات والنتائج ليس بالعملية السهلة، ومع هذا فإن مؤشرات الاقتصاد، مثل الناتج الإجمالي المحلي وحجم الاستهلاك، لا تشير إلى ارتفاع جودة الحياة للفرد أو مستوى الرفاهية المصاحب لتطبيقات التقدم التكنولوجي.
ويتشابه تأثير الأتمتة والذكاء الاصطناعي مع ذلك الذي صنعه التقدم التكنولوجي في أوروبا في مطلع الثورة الصناعية، والذي أدى إلى اندثار العديد من الوظائف اليدوية، ومع أنه خلق الحاجة إلى وظائف عديدة مستقبلًا بسبب نشأة صناعات جديدة، فقد لا يتكرر نفس الأمر مع الذكاء الاصطناعي لرغبة رواد الأعمال في استثمار العائد في حلول لا تحتاج إلى تدخل بشري، عوضًا عن طرح وظائف جديدة، ما قد يؤدي إلى خلق أزمة كبيرة في سوق العمل.
الفكرة من كتاب اقتصاديات جيدة للأوقات الصعبة
بعدما حقق كتاب “اقتصاد الفقراء” نجاحًا في وصف الطبيعة الاقتصادية للفقر وتقديم حلول عملية لمحاربته، قرر الكاتبان الشروع في دراسة المشكلات الاقتصادية الأكثر بروزًا في الدول المتقدمة، وذلك لوجود أوجه تشابه كبيرة بينها وبين تلك المشكلات التي تظهر في الدول النامية، إلى جانب التأثير المتبادل في ما بينها، فالعالم بأكمله يعاني من تبعات التقدم التكنولوجي وتأثير ذلك في فرص العمل والأجور، وكذلك زيادة التفاوت في مستوى الدخل، وانعدام الثقة في الحكومات وعلماء الاقتصاد في ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية، ويرجع الكتاب ذلك إلى أن علماء الاقتصاد نادرًا ما يحاولون توضيح المنطق المعقد لأغلب القرارات الاقتصادية التي تخص العامة، موضحًا أن الاقتصاديين ينتهجون أسلوبًا يعتمد على البديهة والعلم معًا، كما أن المعايير الاقتصادية مثل مستوى الدخل يمكن أن تكون مضللة وتؤدي إلى استنتاجات خاطئة، ولذلك يحاول الكتاب أن ينتهج أسلوبًا يوضح الواقع من خلال الحقائق، آخذًا في الاعتبار الرغبة البشرية في تَلَقِّي التقدير والاحترام، وهو يطلب من القارئ أن يشاركه النقاش والأساليب العلمية في تقصي الحقائق.
مؤلف كتاب اقتصاديات جيدة للأوقات الصعبة
أبهيجيت بانرجي وإستر دافلو: باحثان في الاقتصاد بجامعة MIT، وحاصلان على جائزة نوبل عام 2019 تقديرًا لجهودهما في تقديم حلول جديدة وعملية للمشكلات التي تواجه الفقراء في العالم، إذ أسهم الكاتبان في إنشاء معمل “عبد اللطيف جميل” لمكافحة الفقر، الذي يجري تجارب عشوائية مُحْكَمَة بهدف الحصول على معلومات، ونشر أوراق بحثية تساعد على تقديم برامج قابلة للتنفيذ، بالتعاون مع المنظمات المعنية بتقديم الدعم للفقراء، الحكومية والتطوُّعية، كما ألفا كتاب “اقتصاد الفقراء” الذي فاز بجائزة أفضل كتاب اقتصاد لعام 2011 من مجلة فاينانشيال تايمز.