المرأة بين الشرق والغرب: ملامح ومعالم
المرأة بين الشرق والغرب: ملامح ومعالم
يصف زكي مبارك حال المرأة الباريسية من خلال ما رآه بحي الطلاب فيذكر ثلاثة أصناف: النساء المترفات الباحثات عن معالم الشباب والجمال داخل أروقة كلية الطب والحقوق، وأخريات يتخذن من دروس كلية الآداب بالسوربون فرصًا للمواعدة واللقاء، وهناك التعيسات اللاتي يبحثن عن رفيق فلا يجدن غير السوربون إليه سبيلًا، لذا فلا غرابة إن قلنا إن وجود الفتيات هناك ليس بالضرورة من أجل العلم، إذ إن منهن من تنتسب إلى الجامعة من أجل مرافقة الشبان بعد أن خلعت عن نفسها كرامتها؛ فزهد فيها الرجال بعد أن صارت المرأة هناك طرفًا في الصراع على الأرزاق وخرجت مع الرجل كتفًا بكتف بدلًا من أن يحمله هو إليها، وهذا وإن لم يفهمه أهل الشرق فما هو إلا لأن الشرق ما زال يحتفظ بامرأته “كسيِّدة” تُطلَب وتُعشَق ويُنشَد فيها الأشعار يتحمل الرجل مسؤولية رزق العيش بينما هي تتدلَّل.
ودليل زهد الرجل الفرنسي في المرأة أنه يُعجب بشخصيتها وحياتها ولكنه مع هذا يزهد فيها، فلم تعد الدموع تُذرف لأجل المرأة إلا في ورقات الأدب، وما ذاك إلا لأن الأديب يلتزم غالبًا بالأصول في حبكته أو ما كان عليه القدماء في شأن الحب، وهناك جانب آخر يرويه صاحبنا عن المرأة الباريسية لكنه جانب يذهب هو إلى أن الشرق له باع فيه كذلك، ألا وهو شفاعة المرأة لنيل أمر من الأمور أو بالأحرى “وساطتها” لتحصل على ما تريد بكل سهولة سواء فيما تتكسَّب منه أو فيما يتعلق بالمناصب والوظائف، ويظهر ذلك عندنا في أبيات شعرية مثل قول الشاعر:
ونُبِّئتُ ليلى أَرسلتْ بشفاعةٍ إليَّ فهلَّا نفسُ ليلى شفيعها
وكذا قول الشاعر السوري الحوماني:
قضى عصرنا أن يكون الشفيع لنيل المناصب نهدٌ وقدُّ
الفكرة من كتاب ذكريات باريس
رحل زكي مبارك إلى باريس في بعثة دراسية لخمس سنوات فكان يدوِّن يوميات منفصلة يمزج فيها الصورة بالوجدان، والفكر بما تبصره العينان؛ فنقل إلينا نبض باريس حيًّا من مدينة وسكان ومعالم وطباع ومشاهد ووقائع، كما نقل إلينا نبضه هو في تلك التجربة من أحاسيس ومشاعر وتعليقات ومقارنات.
إنها حبيبته، برغم كل ما فيها فهي حبيبته حتى قال عنها: “وستظل باريس قبلة روحي ما بقيت في النفس ذكرى ما لقيت عندهما من عطف ورعاية وحنان”، فما الذي جعل زكي مبارك يحب باريس كل ذلك الحب؟ وأي تجربة تلك التي بهرته رغم كل ما وُجِّه إليها من انتقادات؟ هذا هو ما تقوله لنا ذكرياته في باريس.
مؤلف كتاب ذكريات باريس
زكي مبارك: شاعر وناقد ومفكر وأديب مصري وُلد عام 1892 بمركز أشمون بالمنوفية، درس في الكتَّاب منذ طفولته وحصل على ثلاث درجات دكتوراه لاحقًا، وكان من أحد المشاركين في ثورة 1919م بأشعاره الحماسية، ثم عزف عن المشاركة السياسية لأسباب رآها وسافر إلى العراق فمُنح هناك “وسام الرافدين”، وتوفي عام 1952م تاركًا خلفه إرثًا أدبيًّا وفكريًّا مختلفًا ألوانه، ومنه:
“مدامع العشاق”.
“وحي بغداد”.
“ليلى المريضة في العراق”.
“النثر الفني في القرن الرابع”.
“الأسمار والأحاديث”.