الفأر في المتاهة
الفأر في المتاهة
لقد تحدثنا عن الكتابة ومناقبها، وتجربة الكاتب مع الكتب والروايات التي تركت لمستها في روحه، وفي هذا الفصل الأخير أورد الكاتب حديثًا عن الوجه الآخر لعملة الكتابة، وهو العالم، وترك فيه عدة توجيهاتٍ لقارئه تحت عنوان: الفأر في المتاهة، وهو تعبيرٌ أطلقه الكاتب ليصف حالةَ الانقياد التي سادت العالم في عصر العولمة، واستمدَّ هذا التعبير من تجربة معملية قام فيها العلماء بوضع فأر تمَّ تجويعه داخل متاهة في نهايتها طعام وشراب تبرز رائحته، وبعد محاولات عديدة، يصل الفأر إلى الطعام، وقد يرى البعض أن ذلك يُعد إنجازًا، لكنَّها النتيجة المنطقية لفأرٍ جائع تقوده رغبته في الحصول على الطعام إلى الطريق الصحيح، وبتكرار التجربة، يتحوَّل سلوك الفأر في المتاهة إلى روتين مكوَّن من ثلاث مراحل تتكرَّر بشكل تلقائي: محفز، عادة، مكافأة؛ وإسقاط تلك التجربة على الإنسان، أنك قد تعيش وتُفني حياتك ظانًّا أنك المتحكِّم فيك، تكبر وتدرس وتتزوَّج وتلد وتسعى في العمل وتبحث عن المتعة، وأنت لم تقرِّر قرارًا واحدًا خارجًا عن سياق الأحداث، وإنما هي طبيعة الحياة ومسارها الأوحد، وهدف الكاتب هنا هو الحثُّ على امتلاك القدرات الإبداعية، والبحث عن تناغم الحياة الذي تستسيغه أنت، فلا تكُن مُنساقًا خلف أهوائك، حبيسًا لحوائط العالم وحوائط مخاوفك، وتُدرك أن وظيفة الحائط أن يكون أمنًا لك، لا سجنًا يحدُّ من انطلاقك وعفويتك.
إذًا هل هذه دعوة للتمرُّد؟ قطعًا لا، وإنما السير في الاتجاه المعاكس للرغبات والمألوف يُسمَّى “الإبداع والتحرُّر”، كأن تُراجع المبادئ والمعتقدات والعادات التي نشأت عليها في مجتمعك، فتُبقي على ما يناسبك منها فقط، أو أن تفنِّد الإعلانات التجارية المعروضة أمامك، وتستطيع أن تمسك نفسك عن الانقياد نحوها دون أن تكون لك حاجة حقيقية إليها، أو أن تُتقِن صناعتك وتبحث عن كل جديد في مجالك، بدلًا من أن تعطِّل عقلك باللجوء إلى المخترعات الجديدة التي جعلت الصانع لا يعلم عن صنعته إلا شذراتٍ قليلة.
وأنهى الكاتب هذا التوجيه بقوله: لا أقول إن الحرية الفردية غير موجودة، أو أن الفرد مُسيَّر على الدوام، لكنني أقول إننا قد لا نكون أحرارًا دائمًا في اتخاذ قراراتنا التي نظن أننا نتخذها، قد تحكمنا حوائط غير مرئية ووسائل تحكُّم لا نشعر بها، أحيانًا يفيد ذلك في تسهيل الحياة، ولكنه قد يكون مضرًّا للغاية، ما دام الفأر لا يعي أنه في متاهة، قد يعيش فيها طوال حياته دون أن يدرك أنه في الواقع لا يتخذ قراراتٍ حقيقية.
الفكرة من كتاب الفأر في المتاهة
هذا الكتاب هو كتاب أدبي تأمُّلي، يضم مجموعة من المقالات المتفرقة التي يسعى الكاتب من خلالها للربط بين الكتابة والعالم باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، فيتحدَّث في كل مقال عن موضوعات ونظريات مختلفة، ويلتقط صورًا كونية متفرِّقة، وفي النهاية يربط بينها وبين الكتابة بصورة مذهلة، وهو يقول: أظن أنني في هذا الكتاب أضع الكتابة في مركز اهتمامي، أنظر إليها حتى عندما أكون في سياق الحديث عن موضوعات منفصلة ظاهريًّا عنها.
مؤلف كتاب الفأر في المتاهة
أحمد عبده الحضري: كاتب وشاعر مصري، وُلد بمحافظة الشرقية عام 1978، تخرَّج في كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1998م، وهو التاريخ الذي ذيَّل به كل قصائده في ديوانه الأول “اقفل عليك الحلم” ديوان بالعامية المصرية، والذي حظي بقبولٍ وترحيبٍ شديدين، وكان أول مَن احتفى به الشاعر “جمال بخيت”، وقد أهدى الحضري آخر قصائد ديوانه للشاعر الكبير “فؤاد حدَّاد”.
انضم الشاعر أحمد الحضري إلى جماعة المغامير الأدبية وأضفى عليها طابعًا أدبيًّا جديدًا، وكثرت أمسياتها وفعالياتها الأدبية بعد انضمامه، وأنشأ مدوَّنة أدبية سماها “برد”، ينشر فيها قصائده الشعرية ومقالاته الأدبية عن الكتابة، والسينما، والشأن العام، والفضاء الإلكتروني وغيرها من الأمور.
نشر الحضري أشعارًا كثيرة في عدة مجلات وجرائد مصرية مثل جريدة الدستور، ومجلة صباح الخير، وهو بصدد نشر ديوانَيْن جديدَيْن؛ الأول بالعامية المصرية بعنوان “حِجَّة مش أكتر”، والآخَر بالعربية الفصحى “كافُ التشبيه”، وفي الكتب النثرية صدر له كتاب واحد وهو هذا الكتاب: الفأر في المتاهة.