أوجه أخرى لفن الكتابة
أوجه أخرى لفن الكتابة
إن كثيرًا ممن يمتلكون موهبة الكتابة، لا يحسنون استغلالها، لا لقصور في الموهبة، ولكن ربما بسبب ترك ممارستها أو التعامل معها كهواية عابرة؛ متى ما زارك الإلهام رفعت القلم، أو ربما بسبب الرضا المبكِّر عن نصوصهم القصيرة، فلا يبلغون إلا قدرًا ضئيلًا حتى يرضوا، لكنَّ الكتابة حقيقةً، رغم ثقلها واحتياجها إلى كثير من التركيز واستحضار الذهن والاطلاع الواسع، هي متعة، وهبة من الله، يجب على صاحبها تنميتها على الدوام.
وفي وصف لذَّات الكتابة الأدبية بأنواعها المختلفة: النثرية والشعرية؛ شبَّه الكاتب المقالات الأدبية باللوحات الفنية التي تعكس لك صورة عن نفسك أو العالم، وشبَّه القصائد بالزجاج الذي قد يكون شفافًا، تتجلَّى من خلاله المعاني كضوء هادئ مُريح للعين، أو يكون أحيانًا أخرى زجاجًا نصف معتم، يُظهر لك هيكلًا لصورة مشوَّشة، تتجلَّى لك تفاصيلها ومعالمها الحقيقية بالتكرار وإعادة القراءة، وذلك يُبطل الدعواتِ القائلة: إن الشعراء يميلون إلى تعجيز العامة، ولكنَّ الشعر فن يحتاج إلى متذوِّق، يتعامل مع كل قصيدة ونص بجدية وصبر، إذا كانت غامضة، يعيد تكرارها ويبحث في معانيها حتى ينجلي الغموض.
ومن لمساتِ الجمال في الأدب العربي، الاستعارات والتشبيهات التي تساعدك على تصوُّر النص حكايةً حيَّة، فيها كلمات تتراقص، وكلمات أخرى يقطر منها الحزن، ولا عجب في أنها تُضيف إلى النص رونقًا خاصًّا، سواءً كانت تعبِّر عن حقيقة المعنى، أو تُضيف مُبالغةً إليه، ومن المفيد أحيانًا أن تؤجِّل الحكم العقلي فيما تكتب قليلًا، وتسمح للفكرة المجرَّدة أن تتلوَّن بألوان الخيال، وهناك أيضًا المفارقات، والمفارقة هي تعبير يبدو أنه يقول شيئين متعارضين، ويستخدمها الكتاب أحيانًا للتعبير عن جدلٍ حقيقي لا يمكن حله بسهولة، بينما تكون في مواضع أخرى، بمثابة صياغة ملتبسة بشكل متعمَّد أو عرضي، تضفي على النص غموضًا لذيذًا يترك القارئ حائرًا بعده.
وفي نهاية فنون الكتابة، أكَّد الكاتب على ضرورة التدوين السريع للأفكار العابرة التي قد تراودنا أحيانًا في المواصلات أو أثناء المشي، وتوظيفها فيما بعد في أفكار أكبر، وألا ندعها تتطاير كما لو أنها لم تكن، أما بالنسبة للأفكار التي تطرأ على ذهنك أثناء الكتابة، وتظن أنها مجرد أفكار عشوائية لا تسبِّب لك إلا الشتات، فالحقيقة أنها أفكار ثمينة، وبدلًا من أن تدفعها عنك، فكِّر لماذا قفزت إلى ذهنك الآن؟ أو ما علاقتها بهذا السياق؟ وإذا قمت بتوظيفها، ربما تجعل النص أكثر ثراءً وملاءمةً للقرَّاء الشغوفين الذين يحبون اللعب مع النصوص وفك ألغازها.
الفكرة من كتاب الفأر في المتاهة
هذا الكتاب هو كتاب أدبي تأمُّلي، يضم مجموعة من المقالات المتفرقة التي يسعى الكاتب من خلالها للربط بين الكتابة والعالم باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، فيتحدَّث في كل مقال عن موضوعات ونظريات مختلفة، ويلتقط صورًا كونية متفرِّقة، وفي النهاية يربط بينها وبين الكتابة بصورة مذهلة، وهو يقول: أظن أنني في هذا الكتاب أضع الكتابة في مركز اهتمامي، أنظر إليها حتى عندما أكون في سياق الحديث عن موضوعات منفصلة ظاهريًّا عنها.
مؤلف كتاب الفأر في المتاهة
أحمد عبده الحضري: كاتب وشاعر مصري، وُلد بمحافظة الشرقية عام 1978، تخرَّج في كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1998م، وهو التاريخ الذي ذيَّل به كل قصائده في ديوانه الأول “اقفل عليك الحلم” ديوان بالعامية المصرية، والذي حظي بقبولٍ وترحيبٍ شديدين، وكان أول مَن احتفى به الشاعر “جمال بخيت”، وقد أهدى الحضري آخر قصائد ديوانه للشاعر الكبير “فؤاد حدَّاد”.
انضم الشاعر أحمد الحضري إلى جماعة المغامير الأدبية وأضفى عليها طابعًا أدبيًّا جديدًا، وكثرت أمسياتها وفعالياتها الأدبية بعد انضمامه، وأنشأ مدوَّنة أدبية سماها “برد”، ينشر فيها قصائده الشعرية ومقالاته الأدبية عن الكتابة، والسينما، والشأن العام، والفضاء الإلكتروني وغيرها من الأمور.
نشر الحضري أشعارًا كثيرة في عدة مجلات وجرائد مصرية مثل جريدة الدستور، ومجلة صباح الخير، وهو بصدد نشر ديوانَيْن جديدَيْن؛ الأول بالعامية المصرية بعنوان “حِجَّة مش أكتر”، والآخَر بالعربية الفصحى “كافُ التشبيه”، وفي الكتب النثرية صدر له كتاب واحد وهو هذا الكتاب: الفأر في المتاهة.