التجارب القرائية التي أثرت في الكاتب
التجارب القرائية التي أثرت في الكاتب
في هذا الفصل يُشاركنا الكاتب أحمد الحضري مقاعدَ القرَّاء، فيتحدَّث كقارئ شغوف، بارع في تصيُّد مواطن الجمال في النصوص، عن أكثر الروايات التي بهرته صناعتها، ويكشف في أثناء حديثه عن الصورة الكلية التي يُفرِّع منها الكاتب الصور الجزئية المفرَّقة في أحداث الرواية، ويستمد منها الصور الجمالية، فمثلًا تحدَّث عن رواية نرسيس وغولدموند لهرمان هسَّة، الكاتب الذي يهتم بالأحداث الداخلية في عقول أبطاله أكثر من الأحداث الخارجية، ومهارته هذه مكَّنته من نسج رواية تبرز التناقض بين رؤيتين مختلفتين للحياة، إحداهما بعين نرسيس صاحب الميول العقلية والنظرة الجافة الزاهدة، والذي يسير في طريق الرهبنة، وغولدموند صاحب الطبيعة الفنية الذي يتذوَّق جمال الحياة بحسِّه الفني، وأبطل أحمد الحضري فرضية أن هذه الشخصيات رموز لدلالات ما، مشيرًا إلى أن المعنى والتأويل هنا ليسا بأهمية حالة التأمل ذاتها التي يضعك فيها النص.
وفي رواية “المزحة” لميلان كونديرا، استطاع كونديرا صبغ روايته بمهارته في العمارة كمهندس معماري، فبدأ روايته بحدثٍ مركزي كبير، ونثر حوله أحداثًا صغيرة تتآلف فيما بينها لتشكل زخرفة متكاملة يمكنك أن تتحدث عن كل نقطة فيها كنقطة مركزية منفردة بذاتها، وأشار الكاتب أيضًا إلى منهجيات وركائز عديدة تقوم عليها روايات أخرى، مثل رواية “شطح المدينة” التي تصوِّر صراعاتٍ مختلفة، من بينها صراع مادي بين الجامعة والمدينة يشغل كل سكان المدينة، وهناك صراعٌ آخر داخلي في نفس البطل، يصور حالة من الانحلال تبدأ بالجسم الذي أصابه المرض وتنتهي بالعقل الذي أصابه التيه والاضطراب.
أمَّا فيما يخصُّ الكتب غير الروائية التي تبحث موضوعات مختلفة، تحدَّث المؤلف عن كتابين، أولهما كتاب “أن تملك أو أن تكون: الإنسان بين الجوهر والمظهر” لإريك فروم، والذي يتحدث عن إشكاليات الحضارة الصناعية الحديثة، وطغيان النمط التملُّكي على المجتمعات بفضلها، والذي تُقاس فيه قيمة الفرد بقدر ما يملك، وتطوُّره من نمط الامتلاك والاكتناز إلى نمط الاستهلاك وشراء الأشياء والتخلُّص منها بوتيرة سريعة، وقال الكاتب في تعليقه على هذا الكتاب: “إننا يجب أن نترك الاحتفاء بهذه النوعية من الكتب التي تبرز عيوب المجتمعات الغربية، وبدلًا من أن نبرِّر بها قصورنا وأخطاءنا، يجب أن نتخذها عظة لنا ووسيلة للتطوير”.
والكتاب الثاني هو كتاب طريف لأبي منصور الثعالبي عنوانه “تحسين القبيح وتقبيح الحسن”، وهو كتاب يتحدث فيه عن بعض ما نُسِب إلى البلغاء في تحسين ما تم التعارف على قبحه، وتقبيح ما تم التعارف على حسنه، كالقلق الذي من محاسنه أنه يدفع صاحبه إلى العمل، وعدم الثقة بالنفس الذي يدفع صاحبه إلى تطوير ذاته.
الفكرة من كتاب الفأر في المتاهة
هذا الكتاب هو كتاب أدبي تأمُّلي، يضم مجموعة من المقالات المتفرقة التي يسعى الكاتب من خلالها للربط بين الكتابة والعالم باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، فيتحدَّث في كل مقال عن موضوعات ونظريات مختلفة، ويلتقط صورًا كونية متفرِّقة، وفي النهاية يربط بينها وبين الكتابة بصورة مذهلة، وهو يقول: أظن أنني في هذا الكتاب أضع الكتابة في مركز اهتمامي، أنظر إليها حتى عندما أكون في سياق الحديث عن موضوعات منفصلة ظاهريًّا عنها.
مؤلف كتاب الفأر في المتاهة
أحمد عبده الحضري: كاتب وشاعر مصري، وُلد بمحافظة الشرقية عام 1978، تخرَّج في كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1998م، وهو التاريخ الذي ذيَّل به كل قصائده في ديوانه الأول “اقفل عليك الحلم” ديوان بالعامية المصرية، والذي حظي بقبولٍ وترحيبٍ شديدين، وكان أول مَن احتفى به الشاعر “جمال بخيت”، وقد أهدى الحضري آخر قصائد ديوانه للشاعر الكبير “فؤاد حدَّاد”.
انضم الشاعر أحمد الحضري إلى جماعة المغامير الأدبية وأضفى عليها طابعًا أدبيًّا جديدًا، وكثرت أمسياتها وفعالياتها الأدبية بعد انضمامه، وأنشأ مدوَّنة أدبية سماها “برد”، ينشر فيها قصائده الشعرية ومقالاته الأدبية عن الكتابة، والسينما، والشأن العام، والفضاء الإلكتروني وغيرها من الأمور.
نشر الحضري أشعارًا كثيرة في عدة مجلات وجرائد مصرية مثل جريدة الدستور، ومجلة صباح الخير، وهو بصدد نشر ديوانَيْن جديدَيْن؛ الأول بالعامية المصرية بعنوان “حِجَّة مش أكتر”، والآخَر بالعربية الفصحى “كافُ التشبيه”، وفي الكتب النثرية صدر له كتاب واحد وهو هذا الكتاب: الفأر في المتاهة.