“ابن خالتك أحسن منك” رسالة عالمية
“ابن خالتك أحسن منك” رسالة عالمية
إذًا نحن متكيِّفون، ثم ماذا؟ قدرة التكيُّف تكون منطقية الفهم إذا ما حاولنا تفسير سلوك الفرد لذاته، لكن ما تفسير علاقات التفاعل بين الذرَّات الاجتماعية في العالم الواقعي، يقول المؤلف: “على النقيض من العزلة، على غرار الذرَّات في الفراغ الكامل، فنحن متوقِّفون بعضنا على البعض الآخر تمامًا منطمرون في نسيج اجتماعي سميك قوامه الآخرون على غرار الذرات في سائل كثيف، فلا نكاد نستطيع التحرك دون أن نحتكَّ بالآخرين” ليتحدث بعدها عن النمط الثاني الذي يلاحظه هو وعدد من العلماء في دراساتهم وهو نمط التقليد والمحاكاة.
عندما تتحدَّث الأم مع ولدها عن مدى براعة ابن اختها في أداء كل الأمور، يكون همها استنهاض همم ابنها ليكون في أعلى المراتب التي ينظر إليها المجتمع والناس حوله، وذلك الأمر يفسره العلماء بأن الإنسان عادةً يميل إلى محاكاة الآخرين ممن هم أعلى منه مرتبة، أو لهم وجاهة اجتماعية منشودة. يفترض المؤلف أن نمط المحاكاة الذي يتم الالتجاء إليه هو نوع مطور من نمط التكيف يلجأ فيه الفرد إلى التعلم من خبرات غيره والتكيف مما حدث له وبخاصةٍ إذا كانت نتائجه تلقى رواجًا شعبيًّا، مع الأخذ في الاحتياط أن ذلك القرار بالتقليد قد ينبع بالأساس من الثقة برأي من نقلده، وهو ما يظهر شكله بوضوح في الاستثمارات بالمدن، إذ يقوم مجلس المدينة بكل ما يستطيع فعله لجلب الاستثمارات من استثمار في البنية التحتية وتسهيل إجراءات الاستثمار القانونية والإجرائية، لكن يبقى ذلك جدوى، حيث تنظر الشركات بعين الخوف في البداية إلى الاستثمار في أمر مجهول، ثم فجأة تأتي الاستثمارات من كل حدبٍ وصوب بشكل غير تدريجي، لكن الفكرة كلها تكمن وراء الشركة الأولى التي بادرت بالاستثمار في البلدة، وبخاصةٍ إذا كانت من الشركات المشهورة أو الشركات الأجنبية عن البلد، هنا يفكر المستثمرون من الشركات الأخرى: بالتأكيد قامت تلك الشركة بالدراسات اللازمة التي أوضحت أن من الأفضل لها الاستثمار في تلك المدينة لأن ذلك هو ما سيعدُّ لها أرباحًا، لذا فلنفعل مثلها، فمن غير المعقول أن تدخل تلك الشركة دون ضمان نجاحها، فبساطة الافتراض هي ما يجعله أكثر قابلية للإقناع وأقل انتباهًا له.
قد يكون من المزعج التفكير في أننا كأفراد نتخذ قراراتنا الفردية بناء على قوى اجتماعية موجودة حولنا، إلا إننا كما يقول المؤلف: “غير أننا كائنات اجتماعية من البداية إلى النهاية، ونحن منطمرون في الحشد لا متميزين عنه… نحن لسنا على هذا القدر من الحرية التي يهيئ لنا غرورنا أننا نتمتع بها!”.
الفكرة من كتاب الذرَّة الاجتماعية: لماذا يزداد الأثرياء ثراءً والفقراء فقرًا
مع تصور حدوث ثورة في مجال العلوم الاجتماعية، يحاول المؤلف استشراف ظواهر بداياتها المختلفة. تلك الثورة التي ستتمكن حسب رؤيته من تغيير عميق لعملية المعرفة حيث سيصل العلماء إلى قوانين صارمة تحكم العالم البشري لا تتعارض مع حرية الإرادة الفردية لكنها ستحاول تفسير العمليات الاجتماعية، تمامًا كما يفسِّر علماء الفيزياء العمليات المختلفة التي تتم داخل الذرَّات.
مؤلف كتاب الذرَّة الاجتماعية: لماذا يزداد الأثرياء ثراءً والفقراء فقرًا
مارك بوكانان: عالم فيزيائي، ومحرِّر سابق بمجلة “Nature” الشهيرة في مجال العلوم، حصل في يونيو 2009 على جائزة لاغرانج في تورينو فيما يتعلق بالكتابة العلمية في مجال التعقيد، ألَّف العديد من الكتب والمقالات التي تستهدف بالأساس التعريف بأفكار الفيزياء الحديثة، وكذلك عمليات الربط والإسهامات المختلفة التي تقدمها الفيزياء للعلوم المختلفة ومنها الأحياء والعلوم الإنسانية، ومن كتبه: “معادلة التاريخ”، و”العالم المعقد، القانون البسيط”، و”الناس ذرات، العالم يتحرَّك بالقانون المادي”، و”التاريخ يتحرك بواسطة قانون القوة”، و”السوق يتحرك بالقانون المادي”.
معلومات عن المترجم:
أحمد علي بدوي: مترجم، وله عدد من الكتب التي ترجمها عن الفرنسية، ومنها:
“مختارات من شعر القرن السادس عشر الفرنسي”، و”رحلة في آخر الليل”، من تأليف لويس فردينان سلين، و”القلعة” من تأليف أنطون دو سانت إكزوبيري.