استكشاف الأنماط
استكشاف الأنماط
انتقد الكتاب الأفكار التقليدية المفسِّرة لعمليات التفاعل البشري لأن جزءًا كبيرًا منها يكون مجرد كلام تجريدي لا يصلح للتعميم إلا في حالات معدودة، معتبرًا أن تلك الطريقة في التفسير لن تساعد بأي شكل من الأشكال في الاعتماد على نتائجها أو توصياتها نظرًا إلى فقدان الركن الأهم في الاعتماد عليها، وهو ركن ارتكازها إلى الواقع، لكن يقترح الكاتب أن من الأفضل للعلماء النظر إلى العمليات البشرية بشكل الأنماط لا بالشكل التجزيئي.
ما الفرق بين الماس والفحم؟ الاثنان من مادة الكربون وبالتالي إذا نظرنا إليها بشكل تفصيلي وبتركيز على جزيئاته فسنكتشف أنها من نفس المادة، وبالتالي سيتم تفسيرهما والتعامل معهما سواء بالتعامل العلمي أو الاجتماعي بشكل واحد، وهو أنه كله ماس أو كله فحم ما دام الاثنان كربونًا، ولكننا إذا عدنا إلى الوراء قليلًا سنجد أن شكل ارتباط الذرات في الفحم يختلف عن شكله الموجود في الماس، ما أدَّى إلى وجود فهم أفضل وتفاعل واقعي أكثر مرونة واكثر استخلاصًا للفوائد المختلفة الناتجة عن اختلاف الأنماط، وهو عين ما يفكِّر فيه المؤلف فيقول: “إذا فكَّرنا في الناس باعتبارهم ذرَّات العالم الاجتماعي، أو كتل البناء الأساسية المكوِّنة له، فعندئذٍ يصح تمامًا ما قد نتوقَّعه في ظهور على نطاق واسع لأنماط على مستوى الجماعات لا تكاد تتعلَّق بطباع الناس أنفسهم”.
يستكمل بعد ذلك بالنظر إلى الطرق التقليدية الموجودة في العلوم الاجتماعية ومن أهمها الاقتصاد، نظرًا إلى أن من المفترض أن ذلك العلم أقرب إلى العلوم الطبيعية لاستخدامه مناهج الرياضيات والإحصاء في عملياته البحثية، إلا إنه يظل بينه وبين الفكرة الثورية التي يصدرها الكتاب بونٌ واسع، فالاقتصاديون يفترضون، لا سعيًا إلى الدقة والحقيقة، بل لمجرد ضمان سهولة حساباتهم، أن أفعال أيٍّ من الناس لا تؤثر في أفعال غيره من الأفراد على الإطلاق، وبذلك رغم التجائهم لأدوات العلوم الطبيعية فما زالوا يعتمدون على افتراضات نظرية لا تعبر عن الواقع، وبالتالي يجب علينا أن نفهم ما الأنماط والقوانين المختلفة للمجتمع البشري التي ستساعدنا على فهم المفاجآت الغريبة التي تحصل في عالمنا وتفسيرها وتفسير تقصيرنا في التنبُّؤ بها.
الفكرة من كتاب الذرَّة الاجتماعية: لماذا يزداد الأثرياء ثراءً والفقراء فقرًا
مع تصور حدوث ثورة في مجال العلوم الاجتماعية، يحاول المؤلف استشراف ظواهر بداياتها المختلفة. تلك الثورة التي ستتمكن حسب رؤيته من تغيير عميق لعملية المعرفة حيث سيصل العلماء إلى قوانين صارمة تحكم العالم البشري لا تتعارض مع حرية الإرادة الفردية لكنها ستحاول تفسير العمليات الاجتماعية، تمامًا كما يفسِّر علماء الفيزياء العمليات المختلفة التي تتم داخل الذرَّات.
مؤلف كتاب الذرَّة الاجتماعية: لماذا يزداد الأثرياء ثراءً والفقراء فقرًا
مارك بوكانان: عالم فيزيائي، ومحرِّر سابق بمجلة “Nature” الشهيرة في مجال العلوم، حصل في يونيو 2009 على جائزة لاغرانج في تورينو فيما يتعلق بالكتابة العلمية في مجال التعقيد، ألَّف العديد من الكتب والمقالات التي تستهدف بالأساس التعريف بأفكار الفيزياء الحديثة، وكذلك عمليات الربط والإسهامات المختلفة التي تقدمها الفيزياء للعلوم المختلفة ومنها الأحياء والعلوم الإنسانية، ومن كتبه: “معادلة التاريخ”، و”العالم المعقد، القانون البسيط”، و”الناس ذرات، العالم يتحرَّك بالقانون المادي”، و”التاريخ يتحرك بواسطة قانون القوة”، و”السوق يتحرك بالقانون المادي”.
معلومات عن المترجم:
أحمد علي بدوي: مترجم، وله عدد من الكتب التي ترجمها عن الفرنسية، ومنها:
“مختارات من شعر القرن السادس عشر الفرنسي”، و”رحلة في آخر الليل”، من تأليف لويس فردينان سلين، و”القلعة” من تأليف أنطون دو سانت إكزوبيري.