الدعوة الجهرية
الدعوة الجهرية
ثلاثة عشر عامًا مرت الآن منذ بداية الدعوة، كانت قاسية ومجهدة على الجميع، الذين تخلَّوا عن مالهم وجاههم في سبيل الدعوة، حتى أمر الرسول المسلمين بالهجرة إلى يثرب، وهذا قد أغضب المشركين جدًّا لأنهم يعرفون أن الهجرة إلى هناك تعني توسُّعًا أكثر للإسلام وراحة للمسلمين، كان المسلمون يهاجرون في الخفاء والليل، ما عدا عمر الذي خرج أمام كل الناس وطاف بالكعبة وهدَّدهم إن لحقوا به، حتى هاجر الجميع ما عدا الرسول وأبو بكر وعلي، وفي نفس الوقت كان المشركون يحضرون لهم المكائد، واتفقوا أخيرًا على تفريق دمه بين القبائل، والرسول بداخل غرفته يعلم بتجمُّعهم حول داره وكل ما يشغل باله هو صندوق الأمانات الخاصة بقريش الموجود عنده، والذي أعطاه لعلي بن أبي طالب وأخبره بأسماء أصحاب الأمانات، وأخبره أن يلحق به فيما بعد، ثم خرج الرسول وحدثت المعجزة بأن الجميع كانوا نيامًا ولا أحد يدرك كيف حدث هذا، لكنها معية الله وتدخُّله، وفي الصباح اكتشفوا أن عليًّا كان هو النائم! وقد يبدو أن من الغريب عدم اقتحامهم للبيت لكنها كانت من صفات العرب حتى لا يقال إنهم روَّعوه داخل بيته.
ثم قابل النبي صاحبه أبو بكر لبدء رحلتهما إلى غار ثور، لكن الرسول كان شديد الحزن على تركة مكة، واختبئا في الغار فإذا بالمشركين يصلون إلى مكانهما لكن معية الله حرست نبيه مرة أخرى بأن نسج العنكبوت خيوطه على الغار واطمأنت يمامة ووضعت بيضها أمام الغار، وكان الرسول يطمئن صاحبه الخائف قائلًا: لا تحزن إن الله معنا، وبعد ثلاث ليالٍ في الغار قابلهما عبد الله بن أُرَيْقِط وأخبرهما أن القوم قد وضعوا مائة ناقة لمن يأتي بالرسول حيًّا أو ميتًا، وأخذهما من طريق طويل ليضلِّل قريش، وحتى عندما تبعهم “سراقة” الذي طمع في المكافأة تعثرت فرسه.
أما الآن فالرسول على أعتاب المدينة وقد كان القوم في انتظاره بشوق كبير، ولم يكونوا قد رأوه من قبل لكنهم رأوا أبا بكر وهو يظلِّل على النبي بردائه، وهنا فطنوا إلى شخصية النبي وبدأ الترحيب والتهليل، ولم تكن المدينة كلها مسلمين، بل كان هناك بعض اليهود وبعض المنافقين، لكن على الأقل ارتفعت راية الإسلام والوضع استقر، وحدثت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لكن أهل مكة ما زال الشوق يحرقهم على وطنهم.
الفكرة من كتاب الأعظم.. قصة النبي محمد (ﷺ)
لو أن شخصًا ما ظهر في عصرنا الحالي يدعونا لنترك دين آبائنا وأجدادنا ونتبع ما يخبرنا به لما صدقناه ولاتهمناه بالجنون! تخيَّل معي أنك ولدت في الجزيرة العربية، وكانت العبادة السائدة وقتها هي عبادة الأصنام، التي كانت دين آبائك وأجدادك، ودينك بالوراثة، وفجأة ظهر شخص يدعو الناس إلى دين آخر، يخبرهم أن الأصنام التي يعبدونها لا تملك لهم ضرًّا ولا نفعًا، وأن هناك إلهًا واحدًا، هو الخالق وليس الآلهة التي تصنعونها، وأن هناك دار الحساب بعد الموت؛ هناك حياة أخرى!
هل لو كنت موجودًا حينها ستترك دين آبائك وأجدادك؟ هل ستفكر حتى أنك على خطأ؟ الوصول إلى الحقيقة ليس بهذه السهولة التي نتخيَّلها الآن، الأمر يحتاج إلى تفكير.. يحتاج إلى شك.. يحتاج إلى قائد عظيم ومربٍّ فاضل، كيف تكون الشخصية التي استطاعت أن تقلب موازين العالم؟ هذا ما سنتحدَّث عنه في هذا الكتاب، حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ولكن في جانب واحد من جوانبها، جانب القيادة والكفاح.
مؤلف كتاب الأعظم.. قصة النبي محمد (ﷺ)
كريم الشاذلي: كاتب وإعلامي وباحث ومحاضر في مجال العلوم الإنسانية وتطوير الشخصية، استطاع في مدة قياسية أن يصل إلى أكثر من نصف مليون قارئ عربي من خلال 15 كتابًا مطبوعًا، وقد تُرجِمَت كتبه إلى العديد من اللغات، وقد تقلَّد منصب مدير عام دار “أجيال” للنشر والتوزيع، وأعطى محاضرات في جميع جامعات مصر، وحلَّ ضيفًا على كثير من البرامج التلفزيونية في الدول العربية.
من أبرز مؤلفاته: “امرأة من طراز خاص”، و”الإجابة الحب”، و”اصنع لنفسك ماركة”، و”جرعات من الحب”، و”أفكار صغيرة لحياة كبيرة”، و”إلى حبيبين”.