مدد السماء
لم يكن تعليم مدرسة “اللوزي الأميرية” يمثِّل شيئًا لعائشة عبد الرحمن، إذ كانت تتلقَّى تعليمًا منزليًّا -كما اشترط والدها- يفوق المدرسة؛ فكانت بذلك تتفوَّق على زميلاتها، وفي إحدى الليالي رأت في منامها أنها في حجرة الدراسة، وإذا بملاك يهبط من السماء ويعطيها لفافة خضراء بها مصحف شريف؛ ففهمت من الرؤية أنها هدية السماء لها فأقبلت على علوم الدين بنهم أشد لا سيما في صحبة أبيها بجامع البحر، الأمر الذي ساعدها على التلمذة -مستقبلًا- على يد السيد أمين الخولي، وتعلَّل الكاتبة تأثير الرؤية فيها بشدة رغم استغراب البعض بتأثيرها في طفلة بأن البيئة التي نشأت فيها والميراث العلمي الذي تلقَّته يجعلها مختلفة كل الاختلاف عن سائر الأطفال، وهؤلاء المنكرون لأثر تلك الرؤيا هم أنفسهم يؤمنون ببحوث علماء النفس ويقتنعون بالأثر النفسي العميق لطفولة كاتب ظهر في قصته الأدبية، إإذا خرج من بين قومهم من يقول شيئًا واقعيًّا عجبوا وتندَّروا؟! “إننا بشر، يغلب أثر الرؤيا فينا، حكم الواقع، ويتحدَّى بمنطق العاطفة منطق العقل”.
عندما جاوزت عائشة عبد الرحمن سن العاشرة كان من المقرَّر أن تتوقَّف عن الدراسة كما اشترط والدها غير أنها لم تحب الاكتفاء بهذه الجولة التعليمية القصيرة فاستعانت بوالدتها وجدها، وبينما جدُّها يخرج مغضبًا من عند والدها لإصراره إذا بماشية مسرعة تطيح بالجد فتُسقِطه أرضًا سقطةً لم ينهض بعدها على ساقيه أبدًا، إذ كُسِرت ساقاه ولم يُجدِ العلاج أو التجبير، فظلت عائشة مع جدها تخدمه لشعورها بالذنب وأنها السبب، وبعدها رقَّ الوالد لحال الجدِّ فسكت عن إرسالها إلى المدرسة ثانيةً حتى واصلت تعليمها إلى سن الثالثة عشرة بالمدرسة، وفي هذه الحقبة من حياتها كان اتصالها بالجرائد والصحف كثيرًا نظرًا إلى انشغال الجد بها، فكانت تكتب له ما يُمليه عليها وتجوِّده، وأحبت الكتابة حبًّا جمًّا.
وعندما بلغت الثالثة عشرة سنة -سن الحجاب- ساءها أن تجلس في البيت دون مواصلة للتعليم، ولم تكن دمياط تشمل ما يمكن للبنات في سنِّها أن يُكملن تعليمهن اللهم إلا أن تأخذ دورة مكثفة لأربعة أشهر ثم تخرج على عجل معلمة أو تُكمل دراستها بمدرسة المعلمات بالمنصورة؛ فأحبت الخيار الثاني وسعت إليه رغم صعوبة التحدي.
الفكرة من كتاب على الجسر: بين الحياة والموت
تصف عائشة عبد الرحمن نفسها وكأنها تقف على جسر يفصل بين عالم الحياة الطاغي بآثار زوجها الراحل عنها كما لو أنه حي ماثل أمامها، وعالم آخر ذهب إليه زوجها لكنها لا تملك أن تذهب إليه الآن ولا تخلَّفت عنه بإرادتها، ألا وهو عالم الموت.
تسرد بنت الشاطئ حياتها منذ الطفولة إلى رحيل زوجها عام 1966م في هذا الكتاب معلنةً عن كل التحديات التي خاضتها في سبيل تحقيق أحلامها وأهدافها.
مؤلف كتاب على الجسر: بين الحياة والموت
عائشة عبد الرحمن: أديبة ومفكرة وباحثة وأستاذة جامعية ولدت عام 1913م، وتعرف بـ”بنت الشاطئ”، وهي أول امرأة حاضرت بالأزهر الشريف، وتولَّت العديد من المناصب الجامعية المرموقة ونالت عدة جوائز مختلفة، وتُوفِّيت عام 1998م تاركةً لنا إرثًا مجيدًا بين التأليف والتحقيق، ومنه:
“التفسير البياني للقرآن الكريم”.
“مع المصطفى، مقال في الإنسان”.
“تراجم سيدات بيت النبوة”.
“بطلة كربلاء”.