صيف القرية
تجهَّزت الأسرة لقضاء الصيف -وكل صيف- في قرية “شبرا بخوم”، حيث يقيم أهل والد عائشة عبد الرحمن، وما كانت عائشة لتحب مفارقة دمياط وشطَّها، ولكن الرحلة من دمياط إلى المنوفية وما رأته فيها خفَّفت قليلًا من وطأة الفراق، وقد استقبلهم الأهل ووجدت عائشة بنت عمها طفلة في نفس سنها، وفي الصباح ترقَّبت عائشة اللحظة التي تخرج فيها مع أمينة -بنت عمها- ولكن والد عائشة فاجأها باصطحابها إلى كتَّاب القرية كي تحفظ القرآن الكريم فتذهب في الأسبوع ستة أيام من مطلع الشمس إلى العصر.
لقد أحبَّت الكاتبة حياة الريف على خشونتها وما أُلزمت به من حضور مكثَّف إلى الكتَّاب، حتى عادت الأسرة إلى دمياط، وكانت عائشة في طفولتها تتصوَّر أن العودة تعني عودة إلى اللهو واللعب على الشاطئ مع الصاحبات، لكن والدها قرَّر أن تتعلم المبادئ الأولية لعلوم اللغة والدين، وصحبته في مكتبه، فكانت بذلك تحفظ القرآن في القرية وتدرس علوم الإسلام واللغة في المدينة، وعلى الرغم من مشقَّة تلك التجربة الجافة من اللهو واللعب، فقد كانت تُعزي نفسها بأنها تتعلم ما تتعلم بينما صواحبها “يمرحن لاهيات”، ثم بعد مدة ألفت هذه الحياة، فأخذت العلم بقوَّة مدفوعة بما تسمعه من مدح وثناء عليها من أصدقاء والدها.
ويبقى الإنسان رغم تعلُّقه بالأماكن المختلفة مخلصًا في حبِّه للأرض التي وُلِد وأقام فيها، وهذا ما كانت عليه بنت الشاطئ، إذ كان ولاؤها لدمياط أكبر من الريف، وبعد أن انتهت إحدى الرحلات الصيفية للأسرة عام 1920م لم تجد عائشة عبد الرحمن رفيقات الشاطئ فعلمت أنهن قد انتظمن في الدراسة بمدرسة “اللوزي الأميرية للبنات”، ورأت الأزياء الأنيقة والكتب الملوَّنة والأدوات التي معهن، وعرفت كيف يعاملهن معلمات المدرسة وما في المدرسة من زينة وغيرها من صور الرعاية فائقة الجودة التي أثارت حفيظة الطفلة على جفوة تعليمها، ولم يقبل والدها بدخولها المدرسة إلا بعد أن تدخَّل جدها الشيخ محمد الدمهوجي.
الفكرة من كتاب على الجسر: بين الحياة والموت
تصف عائشة عبد الرحمن نفسها وكأنها تقف على جسر يفصل بين عالم الحياة الطاغي بآثار زوجها الراحل عنها كما لو أنه حي ماثل أمامها، وعالم آخر ذهب إليه زوجها لكنها لا تملك أن تذهب إليه الآن ولا تخلَّفت عنه بإرادتها، ألا وهو عالم الموت.
تسرد بنت الشاطئ حياتها منذ الطفولة إلى رحيل زوجها عام 1966م في هذا الكتاب معلنةً عن كل التحديات التي خاضتها في سبيل تحقيق أحلامها وأهدافها.
مؤلف كتاب على الجسر: بين الحياة والموت
عائشة عبد الرحمن: أديبة ومفكرة وباحثة وأستاذة جامعية ولدت عام 1913م، وتعرف بـ”بنت الشاطئ”، وهي أول امرأة حاضرت بالأزهر الشريف، وتولَّت العديد من المناصب الجامعية المرموقة ونالت عدة جوائز مختلفة، وتُوفِّيت عام 1998م تاركةً لنا إرثًا مجيدًا بين التأليف والتحقيق، ومنه:
“التفسير البياني للقرآن الكريم”.
“مع المصطفى، مقال في الإنسان”.
“تراجم سيدات بيت النبوة”.
“بطلة كربلاء”.