كيف تحولت الأغلبيات النصرانية إلى الإسلام؟
كيف تحولت الأغلبيات النصرانية إلى الإسلام؟
من الضروري التنبيه على أن هناك فتراتٍ قد شهدت بالطبع فارقًا بين الواقع وبين المثال، فلم يكن الحكامُ المُسلمون كلُّهم ملتزمين بهذه الواجبات الحازمة، كما لم يكن جميع غير المسلمين عليها أيضًا حين خالفوا أو غدروا ولم يلتزموا بما هو واجبٌ عليهم، لكن بشكل عام لم نرَ أنَّ التاريخَ الإسلامي قد عرفَ الإكراه في الدين، بل كان فتوحاته تحريرًا للإنسان قبل الأرض من القهر الحضاري والديني الذي مارسه الفُرس والرومانُ وغيرِهم، فمصرُ التي دخلها الإسلام لم يتحوَّل أهلها إلى أغلبية مسلمة إلا بعد قرون، وهذا المستشرق الإنجليزي المعروف بنصرانيته الشديدة “سير توماس أرنولد” يقول: “إنه من الحق أن نقول إن غير المسلمين قد نعموا بوجه الإجمال في ظلِّ الحُكم الإسلامي بدرجة من التسامح لا نجد لها معادلًا في أوروبا قبل الأزمنة الحديثة”.
ولعلَّ أبرز أسباب هذا التحول الكبير للأغلبيات النصرانية الشرقية إلى الإسلام بعد ما ضمنه من عدلٍ هو خلوُّه من سلطة الكهنوت التي احتكرت مفاتيح التوبة والخلاص، وكونه عقلاني الجوهر -كما يقول المستشرق “مونتيه”- ثم نأتي لسبب آخر، وهو أن الدولة الإسلامية لم ترفض استمرار غير المسلمين في الدواوين والإدارات، ولم تشهد الحضارة الإسلامية فترات توتر واضطهاد لغير المسلمين إلا بشكل عابر إما بسبب الحكام، كعهد المتوكل الذي عُرِف بالتعصُّب والقسوة، وأيضًا في عهد الحاكم بأمر الله، أو من ظلم غير المسلمين الذين تقلَّدوا مناصب إدارية عالية، أو من التدخل الأجنبي في البلدان الإسلامية وتمييزه أقليات دينية غير المسلمة واستدراجهم ضد الأغلبية المسلمة.
الفكرة من كتاب الإسلام والأقليات: الماضي.. والحاضر.. والمستقبل
إن نقطة قوة الحضارات تكمن في أقليَّاتِها، فمنها تعرف أتستقرُّ الحضارة أم تزول ولا يبقى لها أثر، وكذا الحال في إمبراطوريات مضت كالرومانية التي لم تُهلك إلا بالأقليات الموجودة بها، ولقد كان من الضروري أن نتعمَّق في موقف الإسلام مع الأقليات والسياسة التي تعامل بها معهم حينما كانوا تحت ظلاله ولا يزالون.
وعمومًا، فبمرور الزمن وتتابع التاريخ ستجد أن سياسةً استعمارية قد بلورت أهدافها على يد هذه الثغرة؛ ثغرة الأقليات، وكلُّ ما عليك أن تدعم أقلية وتسلِّط الضوء عليها، فهذا يكفي لإسقاط دولة سمحت لك بالتغلغل في هذه الثغرة كدول لبنان وسوريا والعراق وليبيا، فما القصة؟
مؤلف كتاب الإسلام والأقليات: الماضي.. والحاضر.. والمستقبل
الدكتور محمد عمارة (1931-2020)، هو مفكر إسلامي مصري، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، ورئيس تحرير مجلة الأزهر سابقًا، حصل على الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية عام 1965م من كلية دار العلوم جامعة القاهرة، ثم نال درجة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية عام 1975م، وألَّّف ما يصل إلى 147 كتابًا، ومن أهم مؤلفاته:
عندما دخلت مصر في دين الله.
مقوِّمات الأمن الاجتماعي في الإسلام.
القدس بين اليهودية والإسلام.