مهمة الأحزاب
ثم جاءت غزوة الأحزاب، وحفر المسلمون الخندق بأيديهم ومعهم رسول الله (ﷺ)، فحاصرت الأحزاب المدينة ونقض يهود بني قريظة عهدهم فكشفت ظهور المسلمين فصار النساء والأبناء في خطر، واستغل المنافقون الموقف ليبثوا الوهن والخذلان.
ويحكي لنا حذيفة (رضي الله عنه) عن إحدى ليالي الخندق شديدة الظلمة والبرد قائلًا: “واللهِ لقد رَأيتُنا مع رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) بالخَنْدَقِ، وصلَّى رسولُ اللهِ (ﷺ) مِن اللَّيلِ هَوِيًّا، ثم التَفَتَ إلينا فقال: مَن رَجُلٌ يَقومُ فيَنظُرَ لنا ما فَعَلَ القَومُ -يَشرُطُ له رسولُ اللهِ (ﷺ) أنَّه يَرجِعُ- أدخَلَه اللهُ الجَنَّةَ، فما قام رَجُلٌ، ثم صلَّى رسولُ اللهِ (ﷺ) هَوِيًّا مِن اللَّيلِ، ثم التَفَتَ إلينا، فقال: مَن رَجُلٌ يقوم فيَنظُرَ لنا ما فَعَلَ القَومُ، ثم يَرجِعَ -يَشرُطُ له رسولُ اللهِ (ﷺ) الرَّجْعةَ- أسأَلُ اللهَ أنْ يكونَ رَفيقي في الجَنَّةِ، فما قامَ رَجُلٌ مِن القَومِ مع شِدَّةِ الخَوفِ، وشِدَّةِ الجُوعِ، وشِدَّةِ البَرْدِ، فلمَّا لم يَقُمْ أحَدٌ دَعاني رسولُ اللهِ (ﷺ)، فلم يكُنْ لي بُدٌّ مِن القيامِ حين دَعاني، فقال: يا حُذَيفةُ، فاذْهَبْ فادْخُلْ في القَومِ فانْظُرْ ما يَفعَلونَ، ولا تُحدِثَنَّ شَيئًا حتى تَأتِيَنا…”، فذهب حُذيفة وأتم المهمة وأبلغ النبي بما لقي المشركون من الريح وأنهم هموا بالرحيل، وكفى الله المؤمنين القتال، فلماذا اختير حذيفة؟ فرغم أنه لم تكن له مواقف استثنائية فإن الأحداث المختلفة أظهرت سلامة قلبه وقوته ونفاسة معدنه، ولم يكن الاختيار لمؤهلات حذيفة فقط ولكن لاحتياجاته أيضًا؛ ليبثَّ فيه الثقة بالله، لمعالجة انزوائه عن مواطن الشر بشكل يُحجم عن الإقدام وطول تفكيره الذي يؤثر في الإنجاز، دون أن يغير شخصيته تمامًا أو يقولبها ولكن بحسن استثمارها.
الفكرة من كتاب حذيفة بن اليمان في ظلال التربية النبوية
نعيش مع الكتاب سيرة الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه)، ونراه مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم): كيف يعلمه ويربيه، ثم نرى كيف عمِل بعلمه وكيف واجه الفتن.
مؤلف كتاب حذيفة بن اليمان في ظلال التربية النبوية
محمد حشمت: باحث دكتوراه وكاتبٌ ومحاضر، حصل على ليسانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، ثم حصل على ماجستير العقيدة الإسلامية من كلية العلوم الإسلامية بجامعة ميديو في ماليزيا.
من مؤلفاته: “نظرية الدين والتديُّن: الفهم والوهم”، و”الخلاصة في علم مصطلح الحديث”، وسلسلة “في ظلال التربية النبوية” التي تضم الكتاب الذي بين أيدينا وكتبًا عن صحابة آخرين منهم “خوَّات” و”كعب بن مالك” و”الرميصاء” (رضي الله عنهم جميعًا).