نظرات من الريف
نظرات من الريف
رأى “محمود” الخير في كل ما يحيط به، واستخرج منه رمزًا أعانه في مسيرته للارتقاء، فنجده يمتدح قريته التي لم تعرف الثراء ورخاء الحال لكن اعتمادها على الزراعة أودعها سحرًا خاصًّا استشفَّه العربي في تأملاته، فتراه يحادث النباتات ويرى في لونها الأخضر ماضيه وحاضره ومستقبله، وفي دورة حياتها لغة تشبهنا وتربطنا نحن البشر بالحياة والموت كحقيقة ثابتة، تلك المحادثات أوصلته إلى التفكر الذي قاده تباعًا إلى صفة لا يخلو منها القادة الناجحون؛ إنها “التأني” اللازم في اتخاذ القرارات بعيدًا عن الانفعالات والخطوات المندفعة، وقد أقرنه بالشورى واعتمد عليهما في إدارة مصانعه وتجارته.
إن العمل في الزراعة أكسبه الصبر على أخطاء البشر، والعفو عن كل زلة ربما لا يغفرها غيره، فحينما يتحقَّق أن الزلة في أصلها خير كامن في نفس المخطئ، وأنه لم يقصد أذًى فإن نفسه تصفو ويتسع صبرها كاتساع الأرض.
كذلك أدرك أن الفلاحة فيها ما يعين النفس على رؤية الله وتعلقها بقدرته (عز وجل) التي وسعت كل شيء، وأن “من جدَّ وجد، ومن زرع حصد”، وهذا وعد حق لا تشوبه شائبة مهما طالت مدة السعي، كل ما يحتاجه هو مجهود يناسب العمل الذي يبذله بإيمان خالص ويقين في النتيجة.
وكذلك جعل للحيوانات نصيبها من التدبُّر، فقد وضع الله في أهل الريف لينًا ورأفةً على تلك الدواب المسخَّرة، على نقيض ما يتسم به قساة القلوب في مجتمعاتنا الحالية، وقد خلق ذلك حالة من التناغم والإنسانية الحقيقية في النفس، وفي ذلك السياق يتذكَّر الكاتب حماره العنيد الذي امتطاه صغيرًا لأداء مهامه وإيصال الطعام إلى والده المنهمك، كذلك أشار لكلبهم الوفي الذي ضحى بنفسه لإنقاذه وأخيه من هجمة ذئب مفترس، خالقًا بفعله أسمى صور الوفاء العالقة في وجدان من عايشها.
الفكرة من كتاب سر حياتي: حكاية العربي
من طفل يتاجر في قروشه المعدودات إلى ملياردير جل همه توظيف أكبر عدد من العاملين ليكون لهم عونًا وسببًا بعد الله (عز وجل)؛ إنه رجل الأعمال المصري والاقتصادي المحترف، رئيس اتحاد غرف تجارة مصر “محمود العربي”، الذي أسر الجميع بحسن خلقه وأسسه القويمة، مع انتماء غير مسبوق إلى أصله البسيط ونشأته الدينية في قرية أبو رقبة بالمنوفية، كتب قصته مذ كان في الخامسة من عمره بشقاء وكد لا يعرف الاستسلام، وبتضحيات حقيقية تخلو من كل رياء وتكلُّف وزهو، بل يزينها الصدق والأمانة وحفظ الحقوق كمفاتيح سرية لكسب القلوب ونيل البركة، وقد نجح في ذلك حتى كانت جنازته (رحمه الله) مهيبة غير مسبوقة يعتصرها الألم على المفقود، وها نحن نستدرك أجزاء من حياته علَّنا ننتفع بما تركه من أثر طيب ومنهاج في الإدارة والأخلاق والتجارة على حد سواء، ثم نترحَّم عليه وندعو له بخير الجزاء، فسيرته الحسنة هي رزق من الله لعبده، وعمر آخر لا يفنى بفناء الجسد.
مؤلف كتاب سر حياتي: حكاية العربي
خالد صالح مصطفى السيد: كاتب ومهندس ومستشار إعلامي من مواليد القاهرة عام 1962، حاصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة القاهرة عام 1985، وقد شارك في كثير من الأعمال متباينة المجالات كوضع مناهج تربوية وبرامج ترفيهية وتنموية لعدد من رياض الأطفال بالقاهرة، وكتابة السيناريوهات والمسرحيات والمقالات وتنفيذ ورش العمل الفنية والتنموية، فضلًا عن مهام الإشراف على تطوير مجلة نقابة المهندسين المصرية.