التدريس وصحبة مشايخ الأزهر
التدريس وصحبة مشايخ الأزهر
بعد العودة، عُين البَهي مدرسًا للفلسفة في كلية أصول الدين، وانتدب مدرسًا لقسم علم النفس التابع لكلية اللغة العربية، وكان في تدريسه لا يلقي محاضرة إلا إذا وجد أنه متقن تمامًا لموضوعها، حتى إذا صادف أنه لم يتقن الاستيعاب قبل موعد المحاضرة، اعتذر عنها وأجلها، فكان بين طلابه مُقدَّرًا، وقد عُرف لديهم بكفاءته في التدريس وشدته في الامتحانات، وكان البهي يرى أنها ليست شدة وإنما قدر الأمانة حقها، فما استؤمن عليه الطلاب هو كتاب الله وهدي نبيه فهمًا وتطبيقًا.
كانت علاقته بشيخ الأزهر المراغي حسنة، وكان يستدعيه في مؤتمرات كبار الشيوخ، لبحث الإصلاح في الأزهر فيكون أصغر المشاركين، ويطلب منه مشورته، وكذلك مع الشيخ مصطفى عبد الرازق من بعده، وكان البهي يرى أن الشيوخ الثلاثة: المراغي، ومصطفى عبد الرازق، وعبد المجيد سليم، هم أكثر من عاصر حرصًا على كرامة الأزهر منذ الحرب العالمية الأولى.
وفي فترة تولي الشيخ عبد المجيد سليم مشيخة الأزهر، طلب من الدكتور البهي أن يقبل مكافأة شهرية لقيامه بمهام مراقب عام الثقافة بالأزهر، فاعتذر عن ذلك لئلا يقول معارضوه إن المكافأة هي سبب عمله في الأزهر، وآثر الاكتفاء براتبه عن عمله أستاذًا للفلسفة، وكان هذا نهجه في رفض المكافآت عن المحاضرات والأعمال الإضافية التي يقوم بها، إذ كان يرى أن هذا هو السبيل الذي يحفظ به المرء قدره وكرامته، ويحفظ حريته في الموافقة أو الرفض على أي عمل يعرض عليه.
وقد عاصر الشيخ خضر حسين، وشهد استقالته احتجاجًا على تدخُّل الحكومة في شؤون الأزهر، وعُين بعده الشيخ عبد الرحمن تاج، فترك البهي العمل الإداري بالأزهر واكتفى بالتدريس، وكان الشيخ يأخذ من البهي موقفًا شخصيًّا، حتى إنه منع عنه عضوية جماعة كبار العلماء، وكان الوحيد المستحق لها حينها، ما اضطر البهي لمقاضاة مشيخة الأزهر في مجلس الدولة.
الفكرة من كتاب حياتي في رحاب الأزهر.. طالب وأستاذ ووزير
يأخذنا هذا الكتاب في حياة عالم ومفكر ووزير، بدءًا من كُتَّاب قريته في مصر، إلى ألمانيا ثم العودة والتدريس، ثم توليه إدارة جامعة الأزهر ثم الوزارة وانتهاءً بالعزلة، عاصر الملكية، والحرب العالمية الثانية، وثورة 52 والتغيرات الكبيرة التي حدثت في مصر بعدها، حياة رجل عُرف بشدَّته لأنه لم يكن يحابي أحدًا، وتعرض للعزلة بسبب مواقفه من الشيوعية، وهُدِّد فلم يزده ذلك إلا ثباتًا وقوة في الحق.
مؤلف كتاب حياتي في رحاب الأزهر.. طالب وأستاذ ووزير
د. محمد البَهي: أستاذ جامعي ومفكر ومؤلف مصري، ووزير سابق، ولد عام 1905، تخرج في قسم البلاغة والأدب في الأزهر، حصل على الدكتوراه في الفلسفة وعلم النفس في ألمانيا، درَّس الفلسفة وعلم النفس في عدد من الجامعات المصرية، وكان أستاذًا زائرًا في عدد من الدول العربية والأجنبية، عُيِّن مديرًا لجامعة الأزهر، ثم وزيرًا للأوقاف وشؤون الأزهر، وتوفي في العاشر من سبتمبر عام 1982.
له العديد من الكتب في الفلسفة الإسلامية، والعقيدة، والسلوك، والمجتمع والفكر الإسلامي، وتفسير القرآن الكريم، وقد قاربت مؤلفاته السبعين كتابًا ورسالة، من أبرزها:
الدين والدولة من توجيه القرآن الكريم.
الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي.
الإسلام في حل مشاكل المجتمعات الإسلامية المعاصرة.
طبقية المجتمع الأوروبي، وانعكاس آثارها على المجتمع الإسلامي المعاصر.