تقوى الله وضبط الإنسان
تقوى الله وضبط الإنسان
إن الوسيلة الأكبر التي يعتمد عليها الإسلام في تهذيب النفس البشرية هي تحقيق التقوى، ويُعرِّف الكاتب التقوى بأنها: “حساسية الضمير، وشفافية الشعور، وهي خشية مستمرَّة، وحذر دائم، وتوق لأشواك الطريق”، فإن دعوة الأنبياء جميعهم كان غايتها: تقوى الله (عز وجل)، ولو تأمَّلنا كل تكاليف الإسلام وجدناها كلها تدعو إلى التقوى، ففي الصلاة يقول تعالى: ﴿وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ﴾، وفي الصيام يقول تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، وفي الزكاة ﴿سَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾.
وللتقوى آثار جليلة، فبالتقوى تنفرج الكروب، وبالتقوى يبسط الله الرزق: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَيَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾، فالتقوى هي النور الذي يهدي صاحبه ويكشف له طريق الحق من طريق الضلال، فيجب على العبد أن يتبِّع سُبل تحصيل التقوى من كتاب الله (عز وجل)، ليُحقِّق الغاية من وجوده على الوجه الذي يرضى عنه الله تعالى.
كما أن التقوى تعمل على تهذيب طاقات الإنسان وتوجيهها الاتجاه الصحيح، لذا نجد أن القرآن أشار إلى الدوافع الفطرية وقدَّم منهجًا في ضبط تلك الدوافع، وذلك بتحقيق معنى التقوى فإن الدافع لا يصدُّه إلا دافع مثله، فمثلًا أمام دافع الملكية وضع القرآن دافع الخوف، فقال تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾، وبهذا صدَّ الإنسان عن الانحراف، ولكنه أفسح له المجال للنمو والازدهار بالوسائل المشروعة: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾، وفي مثال آخر لضبط دافع الإنسان، نجد أن القرآن ضبط دافع الخوف بأن يعلم الإنسان أن الله (عز وجل) هو وحده من يملك القوَّة الحقيقة في كل شيء، وأنه لو اجتمع الإنس والجن على أن يضروا الإنسان بشيء لن يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه.
الفكرة من كتاب منهج القرآن في تربية الرجال
كثرت المُؤلفات في مجال التربية وصناعة الإنسان، وانطلق المؤلفون بالكتابة في هذا المجال من مُنطلق مفهومهم عن الحياة، إلَّا أن الله (عز وجل) لم يخلق الإنسان ويتركه سُدًى، بل أنزل إليه كتابه وقال فيه ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾، فحين تخلَّى الناس عن القُرآن، اتجهوا إلى الشرق والغرب في محاولة لمعرفة الإنسان ومعرفة الطُرق تربيته.
انطلق كاتِبُنا في محاولة لاستمداد منهج القرآن الكريم في تربية الإنسان، في محاولة لمعرفة كيف يُربِّي القرآن العقل، والجسم، الروح؟ وكيف يضبط القرآن الدوافع الفطرية في الإنسان، فيجعلها وسطًا فلا يكبتها أو يتركها تتحكَّم به.
مؤلف كتاب منهج القرآن في تربية الرجال
الدكتور عبد الرحمن عميرة: مفكر وباحث عربى، حقَّق عددًا من كتب أئمة السلفية، فقد قام بتحقيق كتاب “تفسير فتح القدير” للإمام الشوكاني، وكتاب “الرد على الجهمية والزنادقة” للإمام أحمد.
من مؤلفاته: “رجال ونساء أنزل الله فيهم قرآنًا”، و”المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها”، و”الطريق إلى الله”.