الإمبراطورية البيزنطية والشرق غير الهادئ
الإمبراطورية البيزنطية والشرق غير الهادئ
شهدت الفترة التي نضجت فيها الفكرة الصليبية في الغرب الأوروبي تراجعًا دراماتيكيًّا في أحوال الإمبراطورية البيزنطية التي كانت بلغت أوج قوَّتها في عهد الإمبراطور (باسيل الثاني) المتوفَّى عام 1025 (قرابة ثمانين سنة قبل الدعوة إلى الحملات الصليبية)، إلا أنَّ خلفاءه لم يحافظوا على هذا الإرث، وبخاصةٍ مع ما كان يحيط الإمبراطورية من أعداءٍ تاريخيين لها؛ المسلمين، والسلاف، والبُلغار والروس وغيرهم، وعلى الرغم من صمود بيزنطة أمام خصومها القدامى، فإنها لم تقوَ على مجابهة اللاعبين الجدد، الأكثر جرأةً والأشد تصميمًا على تحطيم الإمبراطورية الهَرِمَة.
استطاعت القبائل البدوية من أصل تركي المعروفة بالبشناق السيطرة على أراضي البلقان، في حين شكَّل المحاربون النورمان الذين استطاعوا إنهاء الوجود البيزنطي في إيطاليا تهديدًا على وجود الإمبراطورية في حد ذاته، وفي نفس الوقت كان التقدم السريع للسلاجقة في آسيا الوسطى وغيرها من المناطق على حساب الوجود البيزنطي مصدر إزعاج شديد للبيزنطيين، حتى توَّج السلاجقة هذا الصراع بانتصارهم في معركة “ملاذكرد” عام 1071، التي وقع فيها الإمبراطور البيزنطي -ولأول مرة- أسيرًا في أيدي المسلمين.
حاولت الكنيسة الغربية استغلال هذا الوضع المتأزِّم في بيزنطة لأجل توحيد الكنيستين الشرقية والغربية، ونجح البابا أوربان الثاني في تحسين العلاقات مع الإمبراطور البيزنطي (أليكسيوس كومينوس)، وتصالحت مصالح الفريقين، فقد طلب الإمبراطور العون في إنقاذ مدينة القدس، لكن عينه في الحقيقة كانت على الأناضول التي في أيدي السلاجقة، ولم يتوقع استغلال البابا هذه الدعوة التي تجسَّدت في الأعداد الهائلة للحملة الصليبية الأولى.
أما عن حال العرب المسلمين، فكان التناحر سيد الموقف، والولاء متنازعًا بين الخلافة العباسية في بغداد والدولة الفاطمية في القاهرة، وكان الشام منقسمًا إلى ولايات متفرِّقة، وكانت جلُّ المناطق التابعة للخلافة العباسية اسميًّا؛ تحت تصرُّف السلاجقة، وبشكل عام كان القرن الذي سبق مقدم الصليبيين مساحة مفتوحة من الحروب بين المسلمين بعضهم وبعض؛ أدَّى إلى إنهاك الجيوش والاقتصاد، ممَّا سهَّل المهمة أمام الصليبيين، وبخاصةٍ مع استعداد بعض الولاة إلى إقامة علاقات مع الصليبيين على حساب إخوانهم من المسلمين.
الفكرة من كتاب ماهية الحروب الصليبية
عندما نذكر الحروب الصليبية، فنحن لا نتحدث عن حرب انتهت بانتصار أحد الطرفين ثم طواها التاريخ، إنما نتحدث عن حرب استمرت مائتي سنة ولا يزال أثرها باديًا حتى اليوم.
هذا الكتاب يرصد ويناقش الأيديولوجيا التي حرَّكت جيوش أوروبا في حربها الطويلة ضد المسلمين، وكيف قاوم المسلمون الأخطار المحدقة بهم، وما الآثار طويلة المدى التي خلَّفتها الحرب على المسلمين؟
مؤلف كتاب ماهية الحروب الصليبية
الدكتور قاسم عبده قاسم: (1942 – 2021) مؤرخ ومترجم مصري، حاصل على الدكتوراه في تاريخ العصور الوسطى، وعضو الهيئة الاستشارية للمركز القومي للترجمة، له مؤلفات مهمة مثل: “أهل الذمة في العصور الوسطى”، و”بين الأدب والتاريخ” وغيرهما، إضافةً إلى ترجمة العديد من الكتب مثل: كتاب “تأثير العرب على أوروبا العصور الوسطى”.