بين الإعلام والعولمة
بين الإعلام والعولمة
من الأسباب التي سهَّلت التقلبات الفكرية وأعانت عليها: الإعلام الذي عقَّد الحياة وصعَّبها؛ فقبل الثورة الإعلامية كانت البيئة بسيطة يَسهُل فهم ظواهرها وحل مشكلاتها، لكن بعد الثورة الإعلامية أصبحت البيئة أكثر تعقيدًا وتشابكًا وبالتالي يصعب فهم ظواهرها وحل مشكلاتها.
وتقوم وسائل الإعلام -سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية- بالتلاعب بالمتلقِّين لها فكريًّا وسلوكيًّا ووجدانيًّا، ولذلك يسهم الإعلام في صناعة التحولات الفكرية؛ فقد يتم عرض شبهة قوية تحيِّر المتلقي أيامًا وشهورًا فتقلب حياته وتبدِّل حاله وبخاصةٍ إذا تم عرضها مِن قِبل أحد المثقفين ذوي المكانة، والمتلقي عندما يسمح للإعلام بالتلاعب به فإنه يصبح إمَّعة ويفقد القدرة على الممانعة الذاتية، ما يمكِّن الإعلام من التلاعب به وتشكيله كيفما شاء.
والعولمة بكل مظاهرها وأدواتها تسعى لسلب الهويات الصلبة من أصحابها وتحويلهم إلى أناس مرنين يتقلَّبون من حال إلى حال ولا يثبتون على حال فيكونون دون هوية مميزة أو أفكار محددة، وبالتالي يصبح التقلب والتغير من مظاهر الروح الجديدة للمجتمعات الحالية، وهذا يعني أن التقلبات السلوكية التي نلحظها في المجتمع لها أبعاد فكرية؛ فمثلًا تشهد الأذواق في معايير الجمال واللباس ووسائل الترفيه وحتى الأكل والشراب تقلبات سريعة، لكنها تعكس تقلبات في الفِكر الذي لا يرى في كل هذا إلا تطورًا وتقدمًا.
كما أن هناك أحداثًا كبرى هزَّت العالم وكان لها تبعات فكرية وثقافية، فكانت هناك حروب مدمرة في مناطق العالم الإسلامي في أفغانستان والبوسنة والهرسك وغيرها، كما تم اصطناع “الإسلاموفوبيا” والخوف من الإرهاب، ما أدَّى إلى توجيه الجهد العالمي بكل مجالاته السياسية والاقتصادية والفكرية نحو مواجهة هذا “الإرهاب”، وفي نفس الوقت اتسعت الاكتشافات العلمية من قبيل الإنترنت وغيره والتي أحدثت صدى واسعًا في الأوضاع العالمية وسهَّلت تنقل الأفكار والمعتقدات من بيئة إلى أخرى، كل هذا أحدث تقلبات فكرية عند بعض المثقفين والمفكرين الذين وقعوا تحت ضغط هذه الأحداث.
الفكرة من كتاب التحولات الفكرية
في كتابه “التحولات الفكرية”، يحاول المؤلف إلقاء الضوء على ظاهرة بدأت تكثر في الآونة الأخيرة وهي التحولات والتغيرات العنيفة التي تحصل لأهل العلم والفكر بعدما تقع لهم هزات وأحداث عنيفة يكون لها مردودها على أفكارهم وتوجُّهاتهم، فيقوم المؤلف بشرح هذه الظاهرة باستفاضة، ثم يحاول تبيين أسبابها، كما يقوم بعرض أبرز التقلبات الفكرية التي يمكن ملاحظتها على الساحة في السنوات الأخيرة.
مؤلف كتاب التحولات الفكرية
الدكتور حسن بن محمد الأسمري: أستاذ مشارك بكلية الشريعة وأصول الدين، قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة، بجامعة الملك خالد في أبها.
من أشهر مؤلفاته: “النظريات العلمية الحديثة: مسيرتها الفكرية وأسلوب التفكير التغريبي العربي في التعامل معها دراسة نقدية”، و”الفلسفة والنص”.